الجمعة، 26 سبتمبر 2008

ما هكذا يا قرضاوي تورد الإبل

لقد وقع تصريح الشيخ القرضاوي الأخير على العديد من المراقبين والمثقفين وحتى الغير متخصصين بالشؤون الدينية وقع الصدمة ولكنه بالتأكيد قد لاقى ترحيبا واسعا لدى المتطرفين في العالم الاسلامي وهم كثر للاسف ، لا اريد ان ابحث تصريحات الشيخ من الناحية الدينية فلست احد الاشخاص المؤهلين للإدلاء بدلوي في هذا الموضوع ولكني اقول اذا كان المشايخ ممن هم في مرتبة الشيخ القرضاوي يحملون هذه المشاعر المتوترة والافكار المشوشة فعلى الباقين السلام ، عموما لا يمكنني ان اوجه انتقادا دينيا او مذهبيا له لكن أدعي ان لي الحق بالتوقف عند نقطتين اثارتا إنتباهي في تصريحاته المدوية وهي لا تتعلق بالجانب الديني لكن بالجانب الموضوعي فقط أولهما تلك اللغة المثيرة التي استخدمها في التعبير عن رأيه ( وأكرر انه رأيه ) فقد اتسمت تلك اللغة بالعدوانية والخطابية والاستفزاز فلكل إنسان الحق في الدفاع عن طائفته او جماعته اذا ما شعر بالتهديد وانا لا يمكنني ان أنكر عليه ذلك،لكان في رأي المتواضع أنه كان بإمكانه ان يكون اكثر وضوحا وهدوئا وتهذيبا ربما في التعبير عن افكاره وأتذكر الان حديثه اللطيف والمهذب مع المغنية السابقة نجاح سلام عن الغناء عندما اتصلت به خلال برنامج الشريعة والحياة لتسأله اسئلة شرعية حول الطرب والمغاني وكيف انه ارشدها بهدوء لتجعل من الفن متوافقا مع مقاصد الشريعة واستغرق حواره معها مدة طويلة اخذت القسط الاكبر من البرنامج ولا أخفي انني استمتعت حينها بالبرنامج الطريف، لقد واجه الشيخ انتقادات عديدة في مسيرته وهي انتقادات يواجهها الكثير من المشاهير وذوي الحضور الاعلامي لكن الشيخ كان دوما محبا للظهور على شاشات التلفزة والصحافة وفي العديد منها كان يسلك نفس الاسلوب الخطابي والتحريضي ، فكان من كبار المنظرين والمرشدين للمجاهدين إبان الحرب الافغانية ضد السوفييت لكن ما إن هدأت الحرب الطاحنة وبدأ الاقتتال الداخلي بين الاخوة من المسلمين توقف الشيخ عن الإهتمام بهذه القضية هذه المرة وانسحب بعيدا عن الاضواء فلربما كانت لديه مهام اعظم من سفك الدماء التي اريقت على ارض مسلمة من دون وازع او رادع ولم يتعب نفسه لإصلاح ذات البين في تلك البلاد المسكينة التي وصلت الى ما وصلت اليه!!!!، وبرزت صيحاته المثيرة ايضا خلال ازمة الرسوم المسيئة للرسول (ص) في الدانمارك فتلقف العامة كلماته تلك وشرعوا في التظاهر واعمال العنف في الدول الاسلامية وخارجها وهذه المرة ايضا لم تختلف عن سابقتها لنجد إننا بعد توقف الضجيج وانتهاء الكارثة التي راح ضحيتها قتلى وجرحى من العامة وجرى خلالها تدمير سفارات غربية لم يكن لها علاقة بالموضوع لنجد انه قد تعرضنا لتشويه صورة الاسلام والمسلمين وقبلهما صورة الرسول الأكرم على أيد أبناء الاسلام بشكل اكبر مما قصدته الرسوم ان لم يكن قد رسخ صورة الاسلام السلبية في اذهان الغربيين بصورة اكبر مما أرادته الرسوم ، وأتذكر صمته ايضا عن وجود القواعد الامريكية في قطر التي اتخذها الشيخ مقرا له واكتسب فيها ثروة مهولة (وهو الذي يذكرنا دوما كيف كان فقيرا أيام شبابه ، ولن نسأل كيف جمعها وهو دارس للدين وعمل في القضاء وترأس جمعيات كثيرة وهي مهن بأجمعها لا توفر له هذا القدر من الثروة!!!!!) وحصل على الجنسية القطرية بعد ان اسقط جنسيته المصرية ( التي يستميت حاليا لإثارة اهلها المثقلين بالهموم والفقر نحو العنف وكأن ما فيها لا يكفيها ) صمته هذا ظل مطبقا حتى عندما يطل علينا من خلال قناة الجزيرة التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن قاعدة العديد التي تحوي اكبر اسطول وقوة عسكرية ضاربة في الشرق الاوسط من دون ان يندد بالغارات الجوية الامريكية التي يسقط ضحاياها من المسلمين من ابناء طائفته هو، وهو الذي يدعى انه المدافع عنهم.

النقطة الثانية التي أثارت انتباهي هي كلامه عن التحصين ضد تغلغل فكر او مذهب آخر ولا اعرف ماذا يقصد بالتحصين ههنا ، هل يقصد جرعة التحصينات التي تعطى بواسطة الأبر او الادوية ؟!!!! هل ان الشيخ يعيش في القرن الواحد والعشرين ولا يعرف أن العالم يشهد ثروة وثورة المعلوماتية فلم يعد مصطلح التحصين الفكري قائما كالسابق عندما كانت الحكومات والمؤسسات تفرض وجودها لمنع الآخر من النفوذ اليها ؟ وهل يدعي الشيخ ان 80% من المسلمين الذين هو بصدد اثارتهم ليس لديهم أية حصانة فصاروا لا يفقهون من أمرهم شي ؟ أليس في كلام الشيخ اهانة لهم وليس الدفاع عنهم ؟ واذا قال ان مصر قبل عشرين عاما لم يكن فيها احد من طائفة أخرى ( بأستثناء الاقباط المنتهكة حقوقهم طبعا ) لماذا لم يسأل نفس السؤال عن وضع مصر قبل ستة قرون وكيف جرى تطهيرها عرقيا وفكريا من الآخر ؟ أليس الازهر الذي تخرج منه أفضل جواب على سؤاله !!!!!! ولماذا لم يتطرق الى حملات التنصير القائمة على قدم وساق هنا وهنا ؟ وألاهم من ذلك لماذا أطلق تصريحاته المدوية تلك وقد ترأس الأتحاد العالمي لعلماء المسلمين قبلها وعلما من مهام الاتحاد المذكور هو التقريب بين المسلمين ؟ هل كان جاهلا بالآخر الذي يريد الان تحجيمه والتحذير منه ؟ ولماذا لم يقدم استقالته من رئاسة الاتحاد المذكور ، ألا يناقض الدكتور القرضاوي نفسه ههنا في حديثه انه لا يريد ان يخون الأمانة ؟
لقد تطرق الشيخ الى دول كثيرة في العالم الاسلامي كمصر والسودان والجزائر والمغرب وتونس وماليزيا واندنوسيا وكيف أن الاخر يتغلغل اليها وذكر أن اهلها غير محصنين ، اذا ما لاحظنا فأن بعض هذه الدول شهدت اعمال عنف مروعة وجرائم وحشية قل نظيرها في التاريخ ، على يد من ؟ ليس على يد ألآخر ، بل على يد الجماعات السلفية التي برز الشيخ من صفوفها ، لماذا لم يطلب تحصين الشباب في الجزائر ومصر الذين ارتكبوا تلك الجرائم بحق ابناء جلدتهم وطائفتهم الذين يعيشون بين ظهرانيهم ، لماذا لم يستخدم نفوذه ومكانته لحل الازمات بدل خلقها وتوتير الاجواء ، ألم يكونوا بحاجة الى من ينتشلهم ويساعدهم على التخلص من الإرث الرهيب من العداء والكراهية المشحون بأذهان جيلنا الصاعد الهابط ، اسئلة كثيرة ربما لن يكون للشيخ متسع من الوقت للاجابة عنها ،هذا ان وصلت اليه.

الجيد في الامر هي ردة الفعل التي صدرت إثر التصريحات الاستفزازية تلك ليس من ألآخر، بل تلك التي صدرت من الاخوة في السعودية وجماعة الاخوان المسلمين والعديد من المنظمات الاسلامية التي اعتذرت رفضت تصريحاته تلك او لم تعرها اية اهمية وهي خطوة ايجابية جدا بعد طول مخاض عاشته الشعوب المسلمة في اجواء الكراهية والتعصب ولا اخفي انني رغم انزعاجي حينها لكنني سررت كثيرا لحالة الوعي التي صدرت بعدها وربما هي بذرة أمل تدل على ركوبنا لقطار المدنية المتسامحة تاركين ثقافة الحقد خلفنا وربما للأبد هذه المرة.

أزهر مهدي

WebCrawler Search