الثلاثاء، 24 يونيو 2008

الى معلمتي مع التحية

قصة قصيرة من تأليف أزهر مهدي

انه اليوم الاول في هذه المدرسة التي ارسلني اليها والدي من دون ان يسألني ان كنت راغبا بالذهاب اليها ام لا، لا لشيء الا ليفخر امام الجميع بأن ابنه يدرس في واحدة من اكثر مدراس البلاد تعقيدا وتشددا في التعليم، ولأن الجميع في هذه المدرسة ينتمون للطبقة المتوسطة او الثرية، كان شعوري بانني دخيل وغريب على هذا الوسط المتميز فلم استطع مجاراة اقراني وزملائي في ما يلبسون او يشترون او يتحدثون، الخلاصة اني قبلت فيها عقب انهائي للابتدائية و بعد ان توسط والدي لدى الكثيرين من الموظفين البيروقراطيين في الوزارة ليتم قبولي فيها وذلك لاسباب ليس آخرها ضعف معدلي مقارنة بالباقين رغم حصولي على درجة تفوق التسعين بالمائة من احدى مدارس الناحية الجنوبية المقرفة لكن التحدي حينها كان مضاعفا بالنسبة فجميع الموجودين هم من ابناء المتمكنين ماديا والمتفوقين دراسيا في نفس الوقت وهي حالة استثنائية و نادرة بالفعل.

المدرسات بدين حينها اقرب الى العربات المصفحة منهن الى مربيات الاجيال ، فلكل واحدة منهن قصص كثيرة يرويها لنا طلبة المراحل المتقدمة وهي قصص كفيلة بان تثير الرعب والهلع في قلوب الابطال الاشداء فكيف بالمراهقين المبتدئين ؟! واكثر حالات التوتر التي شهدتها عندما اقترب موعد حصة اللغة العربية اذ بدى الفزع واضحا على وجوه الطلبة المغلوبين على امرهم فبالاضافة الى التفكير بتشدد المعلمة وتطرفها فأن المادة بحد ذاتها كافية لأن تحرمك من الشعور بالراحة او الهدوء ،وبعد ان جلس جميع الطلبة بصمت بأنتظار حلول لحظة الصفر دخلت المعلمة دخول الاميرات بل قل دخول زعماء الدول العظمى، مع فارق واحد الا وهو ان هذه المعلمة التي قبلت حديثا في هذه المدرسة بدت مختلفة عما ورد في الاساطير الطلابية فكانت امراة جميلة جدا في نهاية العشرينات من عمرها ،حنطية اللون قوية العود سوادء العينين لم تضع اي زينة او مساحيق ، غطت شعرها الاسود الفاحم بغطاء مخملي ابيض اظهر جمالها العربي بأدق صورة، نظرت الينا بحزم وحنان فجعلتنا نبتسم ابتسامة ارتياح للمرة الاولى في هذا اليوم المضني متناسين ما سمعناه وخفناه منها اذ ان سياسة المديرة آنذاك تلخصت في انتقاء المعلمات وفقا لمعايير تتجاوز علم النفس التربوي الحديث ويبدو ان قبول هذه المعلمة كان مختلفا هذه المرة، وبعد ان عرّفت الينا بنفسها وتعرفت الينا بدأت بتدريسنا اللغة العربية وهو ما أعاد الطلاب الى المربع الاول الممل لكن اظنني انا الوحيد الذي استمتع به او بها فلم اعرف ايهما كان اقرب الى قلبي اهو صوتها الأمومي ام قواعد اللغة المعقدة التي بدأت تذوب في ذهني الصغير كالمخدر الذي يبعث على نشوة العبقرية ، في تلك الساعة احسست احساسا غربيا بان تلك المرأة المعلمة ستؤثر في حياتي كثيرا بل وربما طويلا.

صرت بعدها طالبا مجدا ومجتهدا في درس العربية فقد حفظت طلاسم الصرف والنحو وشرعت احفظ القصائد العصماء المملة واشارك بأسئلتي المتذاكية مبديا اهتمامي وحرصي على قدسية التراث والثقافة التليدة وبذلت كل ما في وسعي كي اتقرب منها بالطرق الممكنة او الغير ممكنة وشيئا فشيئا اصبحت ذلك الطالب المدلل لديها، فهي تشير اليّ في صفنا و بقية الصفوف كأحد الطلبة الاذكياء الذين تعتز بهم وتطلب من البقية ان يحذوا حذوي و ان يستشيروني في بعض امور الدرس ان اشكل عليهم شيء وهو ما اثار سخط البعض منهم واحترام آخرين وان اشادت بطالب آخر فكانت تلك هي الكارثة بالنسبة لي لأحساسي باني لم اعد محببا اليها او اني قصرت في شيء معها ولكني ضمنت لني نفسي موقع الصدارة لديها عندما سمحت لي بأن احمل لها كراريس الامتحانات فكان الامتحان ينتهي لتراني احمل كومة الاوراق بفخر وأعتزاز رغم سخرية زملائي مني واخذت توكل اليّ العديد من النشاطات المدرسية مثل كتابة المقالات والمساهمة في النشرات المدرسية وسوى ذلك.

لم ادرك في ذلك السن انها اول حب في حياتي وأن كل من احببت بعدها كن نسخة منها او اردت ان اتخيلهن كذلك .

انقضى العام الدراسي وحصلت على درجة جيد جدا في العربية فدهش والدي العزيز والمتباهي لأنني حصلت على هذه الدرجة العالية في هذا الدرس بالذات ولكن بقية الدروس ظلت في المؤخرة مع الاسف لكن المهم ان والدي شعر بالفخر لشيء ما اخيرا.

وفي اليوم الاول من العام الدراسي التالي وبعد طول اشتياق ولهفة هرعت مهرولا الى غرفة المدرسات لرؤيتها وفعلا فقد كانت هناك تجلس وسطهن بكل شموخ وابهة ،حاولت ان ادخل اليها فمنعتني العاملة التي تحرس ثكنة المدرسات لكن معلمتي العزيزة رأتني من بعيد وابتسمت لي فقامت من مكانها واقبلت نحوي

- كلا دعيه يدخل انه مثل ابني ( قالت للعاملة المتسلطة هي الاخرى )

- نعم على عيني ( اجابتها العاملة بامتعاض وكانني قد خرقت قوانين السيادة )

فدخلت اليها بسرعة ولهفة وسلمت عليها واخبرتها بشوقي لها

- انه شعور الابن تجاه امه فالمعلمة والمدرسّة مثل الام يا بني ، كيف انت ؟ اني مشتاقة لكم ، الا تزال نشيطا مثل العام الماضي ؟ اني فعلا افخر بكم يا ابنائي.

قالت ذلك وكانها شعرت بانني ربما تجاوزت حدودي معها بعض الشيء فلم تنس ان تذكرني ان الله لم يرزقها بأولاد وأننا الطلبة مثل اولادها ومن يومها اصبحت اكثر تحفظا معي وانا صرت اكثر هوسا بها، فقد بدأت أهندم نفسي استعدادا لها وأطلب اخذ الصور معها وادمت الوقوف انتظارا لها في كل استراحة حتى لاحظ جميع رفاقي ذلك بل حتى انهم اطلقوا النكات الساخرة علي.

مرت الايام وانقضت المرحلة المتوسطة وحان وقت الانتقال الى الصف العاشر كان الشعور بالفراق صعبا جدا زاد منه انها في الحصة الاخيرة ودعتنا وسألت العلي القدير ان يوفقنا وانها تتمنى ان ترانا في احسن المناصب والاعمال كأنها أم مفجوعة بفقد اولادها.

لكني لم ايأس فقد كنت ازور المدرسة في بعض المناسبات فلله الحمد ان مدرستي الجديدة ليست بعيدة عن تلك القديمة لكن زياراتي قلت بمرور السنوات وانقطعت كليا بعد زواجي ( بالمناسبة زوجتي لا تشبهها في شيء ابدا !!!!)

ذهبت الى الجامعة ومرت السنون ونسيت قواعد اللغة العربية وعشقت بعضهن وعشقنني وكل فتاة عرفت كانت تسألني سؤالا بريئا ومزعجا في آن معا ، من هي اول حب في حياتك ؟ بالطبع كانت تتوقع ان اخبرها بأنها هي حبي الاول بل والاخير ربما، فهو نفس الجواب الذي ستجيبني به عندما اواجهها بذات السؤال لكنني لم اتورع عن القول بأن معلمة اللغة العربية هي اول حب لي بل ان المرأة التي اود الارتباط بها لا بد ان تكون مثلها ولم اتوقف عن الثرثرة حول تلك الانسانة المحببة لي وهو ما ازعجهن من دون ان ادري وبعد مدة من العلاقات شبه البريئة والنضوج العاطفي تعرفت الى طالبة في قسم الهندسة الذي لا يبعد عن قسم الاداب كثيرا وتزوجت بها بعد مدة قصيرة من تخرجي – لا اعرف لماذا لم تسألني السؤال المعهود !!!- لكنني لم اتحمل فأخبرتها بحبي الاول فلم تجبني الا بأبتسامة باردة جدا ، ورزقت بأبني الاول والاخير (علي ) الذي وجهت اليه كل اهتمامي وجهدي فعلمته ان يكون مستقلا ناضجا راشدا يختار ما يريد لكنني كنت دكتاتورا في شيء واحد الا وهو اختيار المدرسة التي يدرس فيها.

وعندما انهى صفه السادس لم اتردد في ارساله الى مدرسة ليست قريبة الى محل سكناي لا لشيء الا لأن معلمة العربية التي شغلت ذهني قد اصبحت مديرة لها، لم تناقشني زوجتي كثيرا في هذا الموضوع وعندما اخبرتها بقراري ابتسمت نفس تلك الابتسامة الباردة القديمة.

مرت الايام والشهور وانا سعيد بأبني علي الذي يمضى على خطى ابيه واكثر سعادة بترددي على المدرسة لأشاهد اروع سيدة ومعلمة ومديرة في العالم .

لم تتوقف الفرحة الا في ذلك اليوم جاء ابني الى البيت حزينا مهموما واقبل اليّ باكيا ليخبرني بأن مديرة مدرسته التي يعلم مدى حبي لها قد ماتت قبل وصول الاسعاف اثر نوبة قلبية ألمت بها في قاعة الدرس.

لم افعل شيئا سوى الجلوس لبرهة لاستعيد شريط ايام جميلة ارتبطت مع هذه المرأة وبعد برهة شعرت برغبة بالبكاء فرأيت ابني يبكي معي وزوجتي تراقبنا نحن الاثنين من احدى الزوايا ربما هي اللحظة الوحيدة التي شعرت بالغيرة عندما رأت زوجها وابنها يبكيان بهذه الحرقة من اجل امرأة احباها سوية

الجمعة، 20 يونيو 2008

أحيا لأنتقم

قصة قصيرة من تأليف ازهر مهدي

في ليلة هادئة ورائعة وبعد ان استغرقت فيها بالعمل المضني وانعزلت عما حولي انتابتني الرغبة للذهاب الى مكان يشعرني بالراحة والسكينة ويخفف عني شدة التعب، خصوصا وان الجو يحمل نسمات صافية والالوان بدت حينها اكثر دفئا كأن كل شيء يغريني بالتجول في هذه الاحياء الرائعة، وبعد ان انطلقت بسيارتي الوحيدة مثلي والتي لم استبدلها بسيارة جديدة رغم ثرائي ونصيحة زملائي وتهكم اصدقائي وجدتني اتوقف قرب تلك الحانة الحالمة التي ارتدها كثيرا في ايام الزمن الجميل السابق وتفردت من دون بقية الاماكن بالايحاء لي بأن ما من شيء محرم او مقدس في هذا العالم.

بعد جلوسي في الركن الهاديء الذي اجلس فيه كل مرة بعد طول انقطاع ابهجتني اغاني وموسيقى الفرقة الفرنسية التي لم افهم من كلامهم شيء آنذاك لكن بالتأكيد انهم كانوا يتكلمون عن الحب والرغبة ، فقد زادت اغاني الحب في هذه الايام واختفى الحب نفسه ، ويبدو انه كان من الخير لي اني لا افهم الفرنسية فاطلقت العنان لمخيلتي لتتخيل ما تقوله الاغنية، فقد قدمت الى هنا لأنسى وأستشعر وليس كي افكر.

تقدمت مني النادلة مرحبة بي اذ عرفتني سابقا كأحد رواد المكان المنتظمين وابتسمت تلك الابتسامة التي تثير الرغبة في المضاجعة وزادها جمال فمها وبياض اسنانها روعة وسحرا فقالت :-

- ماذا تطلب سيدي؟

- في كل مرة آتي ههنا اطلب شيئا واحدا فهل نسيت بسرعة ؟

- عفوا سيدى لكن لأتأكد فقط حالا ساحضر لك ما تريد.

قبل ان تمضي مغادرة نظرت الى الرجل الجالس قربي الذي بدا كالشبح الهامد كأنها تحذرني منه ، كان شيخا ابيض الشعر كث اللحية لم اميز من ملامحه الى اي بلد ينتمي خصوصا وانه ابقى وجهه متدليا نحو الاسفل فظننت انه نائم بسبب الثمالة.

لكن بعد دقائق فاجئتني شخرته فظننت ان هذا الشيخ المخمور يلفظ أنفاسه الاخيرة ،رفعت راسه للاطمئنان عليه اجابني :-

- لا عليك اهتم بنفسك فقط فأنا لن اموت ليس الان على الاقل.

فما كان مني الا ان اخذت كأسي وشرعت اعبه عبا كان الشراب لذيذا ومنعشا فرغبت بتجربة كأس آخر وعندما ناديت تلك الحسناء ذات الثوب القصير والفاضح فأجئني الرجل مرة أخرى بأن قال لها هات كاسين واضيفي الطلب الى حسابي.

التفت اليه مستغربا وشاكرا ورافضا لكنه لم يعرني اهتماماّ بل استغرق في عالمه المتلاشي وحينما وصل الشراب حاولت ان اقدم له الشكر صراحة :-

- شكرا لك لكني خشيت انك تعرضت الى نوبة قلبية او ماشابه وأرى ان من الافضل لك ان تتوقف عن الشراب.

- لا تخش شيئا انني لم اتذوق الشراب منذ دهور لكن ابني مات صبيحة اليوم انا بحالة مزرية وبحاجة الى بعض منه لعله يشفي غليلي.

- آه عفوا ، مات ابنك البقاء في حياتك !!!! لكن ارجوا المعذرة توقف عن الانغماس في الشراب فلن يزيد الوضع الا سوءا و ..... لكنه قاطعني قائلا.

- كل بضعة عقود اخسر ابنا مثله بعد ان اظن انه سيحقق مرادي وانتقم منكم يا بني البشر.

وشرع يتمتم بكلمات لم افهمها بسبب ارتفاع صوت الموسيقى وكانت فرصة جيدة كي اتهرب منه ولولا ازدحام المكان لغيرت مقعدي على الفور.

كانت كلماته غريبة وغامضة ومظهره يثير الريبة وهو يشيح ينظر نحو الاسفل كأنه يريد ان يشيح بعينيه عن الناس .

- لن اموت ليس الان ، لم اتذوق الشراب منذ دهور ، كل بضعة عقود اخسر ابنا ، سانتقم منكم يا بني البشر ، اي احمق هو هذا الرجل وما كان علي الا ان احمل الكلام على عواهنه فلعله مخمور لا يعلم ما يقول ، عموما حاولت ان انشغل بما حولي من مباهج فاني حضرت الى هنا لكي اروح عن نفسي وليس للاستماع لهذه الترهات يكفيني المجانين والمعتوهين الذين التقي بهم في نهاري والان لدي معتوه آخر ينغص عليّ امسيتي، لكني بقيت متيقضا وانا احاول شرب كأسي كي اغادر بعدها وخلال ذلك لم يتوقف عن اصدار تلكم الاصوات المريعة والمزعجة، لكني قلت لنفسي انه مكاني المفضل ولن اتركه بسبب هذا الهرم الخرف.

- لقد جئت هنا كي اعاشر احداهن لعلها تحمل مني بأبن آخر ، قالها وهو ينظر الى احدى الغانيات قرب المقصف بعد ان وظع نظارته السوداء وقال:-

- احب ان اعاشرها فوق الاعشاب والحشائش ووسط الاشجار والادغال كم كانت ام ابني الاخير رائعة عندما عاشرتها على قارعة الطريق كم كانت جميلة وانا اشاهدها تحبل بابني.

- ارجوك سيدي توقف عن كلامك هذا اني هنا كي ارفه عن نفسي لو سمحت توقف عن الشراب والكلام معا اريد ان انصت الى الاغنية فقط اي رجل هذا الذي فقط ابنه صبيحة اليوم وهو يريد ان يثمل ويعاشر النساء.

فما كان منه الا ان نهض متثاقلا من مكانه واتجه صوب تلك الغانية الواقفة في الزاوية التي تتطلع الى كل من يمر لعله يصطحبها معه من دون جدوى بسبب قبحها ومساحيق الزينة التي اثخنت بشرتها لكن بعد بضعة كلمات خرجا معا بسرعة ، يبدوا انها لم تدقق كثيرا في مسألة المال اذ ان اي شيء افضل لها من ان تعود خالية الوفاض .

- آه لقد خرج اخيرا ،عزيزتي الحلوة املأي كأسي بشراب خفيف آخر لا اريد ان اثمل وانسى هذه الموسيقى الساحرة .

بعدها تابعت ليلتي وقررت العودة كي انام فغدا عطلتي وارغب بالنوم عميقا ، وعندما دخلت غرفتي المتهاوية التي تسرح فيها اغراضي وتمرح حاولت ان اصل بنفسي الى التلفاز كي اعرف اخبار العالم التي انقطعت عنها قبل ان انام فأنا احب النوم واترك التلفاز شغالا! آه يا تلفازي الحبيب وصديقي العزيز .

فجأة ظهرت مذيعة الجزيرة متشحة بالسواد بادية الحزن قائلة:-

- تم اليوم اعدام الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين قبل السادسة صباحا ......

الأحد، 15 يونيو 2008

الابـــــــــــــــــواب


قصة قصيرة من تأليف - ازهر مهدي

انها الساعة الثانية بعد الظهر والهاتف المتحرك لم يتوقف عن الصراخ والرنين فقد لازمني هذا الاختراع بسبب طبيعة عملي كمندوب مبيعات سنين طوال ورغم اني غيرت الهاتف والنغمات ظنا مني ان هذا سيغير من مزاجي شيئا لكن عبثا ما حاولت اذ ظل الهاتف يرن ويرن ويرن من دون توقف وعندما تجيبهم آلة الرد لا ينفكون يثرثرون بطلباتهم وشكاواهم الابدية ، انها فترة استراحتي لكن يبدوا انهم الغوا فكرة الاستراحة من حياتهم.



المطبخ هو مكاني الوحيد المفضل في هذه الشركة التي عينت فيها العام الماضي وهذا الاسبوع نقلوني الى قسم خدمة العملاء بسبب اجراءات التقشف وتقليل عدد العاملين وقد قبلت براتب اقل لتجنب فصلي رضوخا مني لنصيحة مديري او بالاحرى اوامره !!!!!!


خصصوا لي هذا المكتب المغلق من دون ان يحدثوا لي فيه اي نافذة لتدخل منها اشعة الشمس كأنهم يريدون اختبار قدرة تحملي على البقاء حيا في اسوأ الظروف ان هذا المطبخ هو المكان الوحيد الذي لا يجروء مديرنا الدميم والمتحفظ ان يدخله لا لشيء سوى انه يترفع عن مخالطة الموظفين الادنى منه مرتبة فلهذا اجدني ادخل الى المطبخ الرائع خلسة لادخن سيجارتي للمرة الالف واشاهد منظر الشمس والناس في الخارج.لكن لا شيء يستمر في هذه الحياة وخصوصا في هذه الشركة فلا بد ان يقاطعني هذا الهاتف الذي اصبح قدري ومعذبي.

- سيدي ان هاتفك يرن منذ مدة – قاطعني الفراش المسكين ذلك الشيخ الستيني صاحب الشعر الابيض انها المرة الاولى التي اتطلع الى هيأته وجهه الذاوي شعرت حينها ان السماء او القدر يوجهان لي رسالة لأفعل شيئا قبل فوات الاوان اي قبل ان اصبح مثله !!!!

- نعم اني قادم – اجبته مستسلما وغاضبا

- لاتغضب يا بني العمل متعب دائما – قال عبارته بلطف مشوب بالحنان

- نعم لكن ليس عملي

- على الاقل لست فراشا فهل تريد ان نتبادل مهامنا – قالها ضاحكا وربت على كتفي بحنان

لكنني هذه المرة لم اتمكن من اخذ الهاتف شعرت بأنه سيفترسني كالذي يفتح بابا للوحش وهو يعلم ان الوحش الجائع سينقض عليه ،كل ما فعلته اني اخرست هذا الشيء الكريه و اتنتابني الحاجة للمغادرة وفعلا اتخذت قراري الشجاع وتجرأت على المغادرة ،غادرت الشركة وبالطبع لم انس اخبار السكرتيرة اللاهثة وراء زلات الموظفين والعاملين كأنها تتغذى على اخطائهم واحباطاتهم ،وان لم يخطؤوا تمارس مهارتها في تحذيرهم من الوقوع في الخطأ ،اخبرتها بأنني اشعر بالارهاق وهي حجة لم ترقها على كل حال فلم تنس ان تقول :-

- نراك غدا بالتأكيد ؟

- اكيد يا عزيزتي فلا مفر لي من ان اراك يوميا.

هرولت سريعا ، احسست ان الطريق الى الباب اصبح اطول مما كان يبدو سابقا وعندما وصلت الى الباب شعرت ان المقبض لا يطاوعني ، لا يريدني ان اخرج لا يريدني ان ارحل تصورت لوهلة ان لهذا الباب وجها عابسا وان مقبضه يريد ليّ ذراعي كأنه يقول لي – هيت لك - لكنني لم استسلم له لم استسلم لهذا الباب الجبار الرجيم فأدرت المقبض وخرجت بسرعة فأصدر صوتا مدويا كأنه يقول لي ارجع ايها المغفل ،الا اني لم اعره بالا فأن كان قويا فأنا اسرع منه بالتأكيد.

خرجت الى الشارع الذي بدا رائعا حينها، خاليا من المارة الذين يعج بهم في ساعات الصباح الاولى حاولت ان اجلس في اي مكان خفي وبعيد فوجدتني اسير نحو تلك الحديقة المهملة والقديمة التي خلت هي الاخرى من الناس بأستثناء بائع الشاي المنزوي كأنه احد اللصوص المطاردين، احسست انني لم ادخل حديقة خضراء منذ امد بعيد فالاماكن المغلقة هي كل ما يحبه مديري والسكرتيرة والباب الموصد وزوجتي، وعلى ذكر الشيطان لقد رن الهاتف وعرفت انها هي المتصلة – اي زوجتي - من تلك النغمة المخصصة لها والتي تشعرني بان اسوأ ما قد يحصل قد حصل بالفعل اذ ان هوايتها تتلخص في احالة حياتي الى وجع مطبق لا استطيع منه خلاصا وكأن ما عندي ليس كافيا.

- الو، كيف انت ؟

- جيدة ، اين انت ؟ اتصلت بالشركة وقالوا انك غادرت !

كنت متعبا وشعرت بحاجة للمغادرة.

هل اصبحت افضل الان ؟ اذا لم يكن لديك شيء تعال لتناول الغداء سويا ؟

- اني ارغب بالاختلاء بنفسي قليلا وها انا جالس الان في مكان مريح وهناك رجل يعد الشاي ، ارغب بشرب فنجان من الشاي في هذه الحديقة يجب ان اذهب الان .

اغلقت السماعة بسرعة وتوجهت الى كشك الشاي في الزاوية البعيدة فلن افوت هذه الفرصة لاجلس في هذا المكان المنعزل لأشرب الشاي الاحمر او حتى الازرق .

كانت رائحة الشاي المختلطة بالهواء المضمخ بعطر الاعشاب والحشائش رائعة فعلا وصوت فيروز الذي ينبعث من المسجل القديم وقد بح صوته وتعب من اثر السنين يثير في النفس الحنين الى الايام الخوالي ، ان صوت فيروز يظل ساحرا مهما كان المسجل الذي نستعمله ومهما تقادمت الايام والعصور ،كم نسيت ان اجلس في اماكن خضراء كهذه وكم نسيت ان استمع الى فيروز كما نسيت اشياء كثيرة من قبل ومن بعد ، تقدمت من بائع الشاي المسكين الذي يشبه فراش شركتنا في تعاسته وبساطته وسألته :

- هل لي بقدح كبير من الشاي ؟ ( لأني احب شرب الشاي كثيرا)

- نعم سيدي تفضل اجلس على هذا الكرسي ( قالها وهو يخرج الكرسي المتهريء من بطن العربة القديمة، لقد بدا سعيدا بي فلم يعد الزبائن يحبون شرب الشاي الا في المحلات الانيقة والمغلقة التي تحميهم من الشمس)

جلست وحيدا ارتشف هذا القدح الرائع من الشاي وكأنني لم اشرب مثله منذ امد وانا اتطلع من حولي مستسلما لنور الشمس الذي يداعب بشرتي لكني حتى حينها لم انعم بالهدوء الذي نشدته فلقد قاطعني البائع الذي بدا يشعر بالملل هو الاخر فقال :-

- يبدوا انك متعلم يا سيدي وتعرف بما يدور هذه الايام فهل استمعت الى الاخبار اليوم يقولون ان الحرب ستقع قريبا في المنطقة.

آه كم اكره هذه المواضيع فلا احد يجيد الحديث الا عن الحرب والسياسة والمؤامرات انه القرف الذي لا يمل منه الناس في ايامنا هذه فحتى بائع الشاي اصبح يتحدث ويبحث في السياسة

-لم اسمع شيئا اليوم ولا اريد ان اسمع اذ اني اشعر بالملل واليأس من كل ما يدور، منذ خمسين عاما والكوارث تأتي ولا تجد لها حلا فالافضل لي ان لا افكر او اتدخل في السياسة.

- يا بني نحن اصحاب حق ويجب ان ندافع عن قضيتنا المقدسة ( قالها كأنه احد الزعماء العرب عندما يتحدثون عن المقدسات ونسي او لم يعلم ان اعداءه في بيته وشارعه ووطنه قبل ان يكونوا في الطرف المقابل الذي اذلنا بعد ان اذللنا انفسنا )

انه القرف مرة اخرة ولم يخففه عني سوى اغنية فيروز التي اعادتني الى ايامي الجميلة وهي تغني تلك الاغنية الجميلة - لا يدوم اغترابي - ولأني شعرت بأنه سيقاطعني ثانية بادرته قائلا :-

- كم احب الانصات الى فيروز وهذه الاغنية بالذات شكرا لك لأنك من اصحاب الذوق الرفيع سيدي.

عندها شعر بأني لست في مزاج يسمح لي بالكلام فرأف بحالي وتركني استمع الى اروع اغنية في تاريخ الفن فلم اشعر بجمال هذه الاغنية الا الان كأني اسمعها للمرة الاولى فأثارت جميع مشاعري وذكرياتي كم هي رائعة وهي تقول حبيبتي زنبقة صغيرة وانا عوسج حزين وكم عبرت عن همومي وهي تصدح يا اسفأ للعمر كيف ضاع فيا اسفي للعمر كيف ضاع فعلا.

طلبت قدحا آخر من الشاي وجلست تحت شجرة الصفصاف العتيقة كانها الشاهد الصامت على عذابات من مروا امامها وسعادتهم عادت بي الذاكرة الى ايامي الجميلة او التي حاولت جاهدا ان اجعلها جميلة ما استطعت ، كنت شابا فاضلا في صباي وشبابي اؤمن بأن الحياة هبة من العلي القدير يجب ان نقدسها، فلم اكن افكر الا بما هو جميل ونقي ولم انوي في قلبي الا بما هو طاهر وطيب ، كانت امنيتي الوحيدة ان اعيش حياة القديسين والفلاسفة وكم كنت اتعجب لأولئك التعساء الذين يلعنون حظهم كل يوم من دون ان اعرف اني ساصبح واحدا مثلهم فقد بدأت هذه الحياة المقدسة تتكشف عن خبايا اقل ما اصفها بأنها مؤلمة وطاحنة لأي احساس جميل، امتصت كل شيء بهيج وسعيد في داخلي وجعلتني اشعر بأني عار عن كل آدمية وامطار اليأس تخنقني كل ما امتد بي العمر.

وحدها فيروز تغسلني في هذه اللحظات التي توقف فيها احساسي بالاشياء ولم تقاطع هذه الصوت الابيض الا زوجتي التي ، لم ارد عليها ، انها المرة الاولى التي لم ارد عليها منذ زواجي بها كأن استجابتي لكلماتها واوامرها ونواهيها كانت تتم بصورة آلية لا يمكنني تغيرها او رفضها، لقد كرهت كل نساء الارض بسببها لقد جاءت الى حياتي الصغيرة من عالم المجهول بعدما خضعت لرغبة اهلي للزواج مبكرا فقد تزوج اخوتي جميعا في سن مبكرة وكنت انا الاعزب الوحيد بينهم فرغبت ان اتخلص من تعليقاتهم التي كانت شريرة في معظمها وخضعت لهم ومنيت نفسي بالقول بأنني ساختار المرأة التي اتزوجها وما عليهم سوى ان يعرضوا علي الفتيات ممن تتوفر فيهن المواصفات التقليدية وفعلا اخترتها هي من قائمة ليست طويلة وخضعت لهم ولها ولم اعلم انني سأظل طوال عمري خاضعا جبانا ، بعد ان سمحت لها بسذاجتي وسطحيتي ان تحيلني الى شيء هامد ، فأنا مجرد شيء لا يشكل سوى ردود افعال لتصرفاتها وافكارها المقيتة فلا هم لها الا ان تثرثر بكلام تافه ولا تجيد شيئا الا الحياكة لكنها حياكة المؤامرات وليس الملابس.

حل المساء وجاء بعض الناس الى هذه الحديقة الصامتة شعرت بأنهم يبحثون عن مكان منعزل كهذا المكان ليتخلصوا من ضجيج العالم واحباطته ،وانى لهم ذلك؟ فبتجمعهم افسدوا الشيء الذي ينشدونه ألا وهو السكينة، لقد رأيتهم يشيحون بوجوههم عن الاخرين كأنهم يخفون التشوه والاعاقة في داخلهم عن بعضهم البعض حينها علمت اني لست وحدي في هذا العالم فهناك غيري يرغبون بالهرب ،الهرب كم هو جميل ذلك الهرب فلا ابواب ولا مدير ولا هاتف ولا شيء الا انا والشوارع الخالية واكواب الشاي وصوت فيروز !!!!!! ، لكن بائع الشاي الذي استبدل شريط فيروز بالاغاني الحديثة والسريعة بدا سعيدا بهم كأنهم ضيوف اعزاء باستثناء انهم ضيوف يدفعون اجرة الضيافة مقدما، حينها لم يسعني البقاء فغادرت ، كان المهم ان اغادر و اهرب الى اي مكان ولأني لم احضر سيارتي وجدتني امشي وامشي حتى وصلت من دون ارادة مني الى بيتي، كنت متعبا وجائعا ورائحة العرق تفوح مني وصلت الى الباب العملاق ليظهر لي ذات الوجه الذي ارتسم على باب الشركة قبل ساعات ، بدا ساخرا مني وارتسمت عليه تلك الملامح القاسية المتشفية لرجل منتصر كأنه تمكن من قهري واذلالي.

- لقد عدت لي اخيرا ( كان الوجه وجه الباب لكن الصوت صوت زوجتي ).

حينها استدرت راجعا لا الوي على شيء ، تمالكت نفسي و حاولت العودة للبيت لكن اوجها اخرى ارتسمت على كل الابواب والمباني فتارة كانت عابسة وتارة كانت حزينة ،وغاضبة ويائسة تارة اخرى وقليل منها بدا مبتسما ضاحكا كأنها تعكس ما خلفها من تعاسات السكان واوجاعهم وكأنها تمنحني البصيرة والنصيحة لمعرفة ما في تلك الدور من مشاعر اليمة عبر الشكل المرتسم على ابوابها ، بعدها لم اجد بدا من العودة الى تلك الحديقة لكي ارتاح قليلا فقد تأخر الوقت ولا بد ان من فيها قد غادرها ،حينها فهمت لماذا يتشرد الناس ليس لأنهم لا يجدون مأوى لهم بل لأنهم يهربون من ابوابهم المغلقة والعابسة مثلي، كان التعب قد هدني فلم اجد بدا من النوم الذي لم اهنأ به كثيرا ايضا فلم يطل بي المقام حتى ايقضني الشرطي وجرني الى مركز الشرطة بتهمة التشرد والتسكع كالبهيمة ولم يستمع الى اي كلمة قلتها او الى توسلاتي بان يتركني لحالي ولم يصدقني عندما قلت له اني هارب من ذلك الوجه المرتسم على الابواب الذي يطاردني فاجابني ساخرا.

- ان ابوابنا من نوع خاص لا احد يستطيع ان يرتسم عليها ايها الابله – حينها شعرت بالامان قليلا فهو الدولة والدولة لا تكذب بشأن الابواب ابدا !!! فسرت معه الى السيارة بهدوء وانا ارى نظرة الاحتقار على وجهه لكن لا اخفي ان كلامه كان صحيحا عندما تكلم عن ابوابهم وعندما وصفني بالابله.

وبعد ان رمي بي في الزنزانة كاحد اللصوص او المتسولين وبعد ان تم استواجبي لفترة قصيرة اتصل الضابط باخي ليخرجني على ضمانته او قل عندما لاحظ وجود محفظة تحتوي نقودا في جيبي عندما فتشني ولان السرقة ممنوعة قانونا فضّل ان ياخذها هدية مني، ولم يطل بأخي المقام حتى حضر الى المركز مذهولا او كمن يريد ان يخفي فضيحة بعدم تكلمه عنها،وساعده على الصمت منظري المتعب وثيابي المتسخة والابتزاز الذي تعرض له في مركز الشرطة ، فأسرع بأخذي الى منزله وطلب مني ان استحم واغير ثيابي ثم اقلني الى منزلي لاخلد الى فراشي ، بسرعة وحدها زوجتي استقبلتني بكلامها المقذع لكنها زادته وحشية وضراوة هذه المرة فهي تثبت دوما انها تتفوق على نفسها في دناءة معي و كل ما فعلته اني توجهت الى غرفة ابنتي لاطمئن عليها بعدها استغرقت في نومي وعندما صحوت قلت لها من دون تردد وبعد ان استجمعت اشلاء قواي وشجاعتي وكرامتي اني اريد الانفصال عنها ، لكن الغريب انها لم تبد ردة فعل كالتي كنت اتوقعها بل قالت حاول ان ترتاح ثم نتكلم لاحقا !!!

في اليوم التالي اصطحبتني الى طبيب نفسي وبعد بضعة ايام اخبرت عائلتي انها تود الطلاق فلا يمكنها ان تأمن على نفسها من رجل يراجع طبيبا نفسيا وهي خطوة ذكية اتخذتها لتبرز انها غير مستعدة للعيش مع مجنون .

كل ما اتذكره بعدها اني عشت مدة منكفئا على ذاتي قالوا انها سنة ونصف، صرت فيها حبيس غرفتي لا يمنعني من الخروج منها الا ذلك الوجه المنتصب على الباب امامي ولا اخرج منها الا عندما يصطحبني احد اخوتي او اخواتي الى الطبيب اذ فقدت اهتمامي حينها بكل ما حولي وعشت منغمسا في عالم من الذكريات والاحلام التي رسمتها لنفسي.

لكنه كان يوما باردا ومطيرا ذلك الذي استيقضت فيه على صوت قطرات المطر المرتطمة على زجاج النافذة ، انها المرة الاولى التي يثيرني فيها شيء ما منذ مدة وعندما ذهبت لانظر عبر النافذه شاهدت تلك الحمامة التي اتخذت من كوة الحائط المقابل عشا لها وهي تحتضن افراخها خوفا عليهم فما كان مني الا ان هرولت راكضا دون ارادة مني الى الخارج كي امنع عنها الرياح والمطر وعندما اقتربت منها رأيتها متشبثة بافراخها غير آبهة بي او بالرياح والمطر ولم انزل الا عندما نادتني شقيقتي التي لحقت بي باكية وسط المطر الغزير وهي تراني اتسلق الجدار ظنا منها انني في طور جديد من الجنون ، لكنها اطمئنت عندما جلسنا نتناول الطعام سويا وبعد ان تحدثت مع قليلا واخبرتني بما وقع خلال تلك المدة من احداث وحرب.

في اليوم التالي وبعد ان اجتمعت العائلة المذهولة التي لم يصدق احد منهم اني قد عدت الى طبيعتي - رغم ان لا احد يعود الى طبيعته- خرجت الى المدينة لاستكشف ما فيها فكان الخراب شاملا و وقعت الحرب وتغيرت الوجوه والاماكن والزعامات وصارت الحياة اكثر فوضوية ، وحدها الحديقة المنزوية ضلت على حالها لكنها خلت من كشك الشاي ومن صوت فيروز العبق ونمت فيها الاعشاب والحشائش بسبب تركها لمدة طويلة .

بعد شهر حصلت على امتياز من البلدية لتطوير الحديقة فقد كانت حفنة من الدولارات كافية للحصول على امتياز يمتد لعشر سنوات بدأت بعدها بتسييج الحديقة واستأجرت بعض العمال لزراعتها مجددا وطلبت من بائع الشاي ان يعود للمكان بعد ان بنيت له كشكا جديدا و طلبت منه ان يبيع نفس النوعية من الشاي وبنفس المذاق واعطيته مسجلا جديدا لنستمتع من خلاله بصوت فيروز الخالد واتخذت لنفسي ركنا ابيع فيه الكتب والقرطاسية وبدأ الناس يعودون الى الحديقة التي استثمرتها بشكل جيد فلم انس شخصيتي العملية وعرضت على بعض الباعة المتجولين ان يعرضوا بضاعتهم مقابل ايجار شهري مناسب للطرفين.

لم تعد للابواب مشكلة معي فقلما تصادفني في حياتي وعملي واذا ما ارتسم وجه عليها فأني ببساطة ابتسم وامسك بالمقبض بقوة وافتح الباب بيسر وسهولة واستغرب لماذا كانت العملية صعبة ومجهدة لي في السابق !!!!

فشلت في زواجي نعم لكني حصلت على حضانة ابنتي التي لم تهتم زوجتي بتحمل مسؤوليتها فلا تزال الفرصة امامها لتجرب حضها مع شخص افضل مني كما تقول ، انا بدوري قد ارتبطت عاطفيا بتلك الانسانة اللطيفة التي تمر بمكتبتي الصغيرة من حين لآخر لتشتري بعض الكتب لم افاتحها بشيء حتى الان لكني اشعر ان هناك اعجابا متبادلا بين الطرفين وان حدثا ربما سيجمعنا قريبا ، الاهم من هذا كله انني قررت الاستمرار رغم ما مر وانه ابدا لن يدوم اغترابي

ازهر مهدي

Azhermahdi@gmail.com

السبت، 7 يونيو 2008

أفلام تهمينه ميلاني تكشف الغـطـاء عـن "النصـف المخفي"















للمخرجة الايرانية تهمينه ميلاني حضور كبير في الدراسات والبحوث النسائية السينمائية في ايران، إذ تتميز عن سائر المخرجات الايرانيات اللواتي تناولن قضايا المرأة الايرانية وهمومها، بمعالجاتها الجريئة وآرائها العميقة. وتتبوأ ميلاني موقعا مميزا في قائمة الناشطات في مجال حقوق المرأة، ورأى النقاد في فيلمها الشهير، "النصف المخفي"، أنه نابع من رؤية إمرأة ذات كفاءة عالية في خوض الشأن السياسي.
بدأت ميلاني الحاصلة على الماجستير في الفن والعمارة من جامعة طهران مشوارها الفني كمساعدة اخراج في سلسلة من الافلام، وكان فيلم "أطفال الطلاق"، انجازها الأول في مجال الإخراج، ثم أخرجت مجموعة من الأفلام أهمها "خرافة الآهة"، "ما الخبر؟"، "كاكادو"، "إمرأتان"، "النصف الخفي"، "ردة الفعل الخامسة"، "إمرأة إضافية"، كما شاركت في كتابة سيناريوات للعديد من الأفلام.
مع أن الفيلم الأول لميلاني تطرق الى معاناة المرأة الايرانية في مواجهة نظرة المجتمع السلبية تجاهها، فإنها رصدت في فيلمها "ما الخبر؟" العلاقة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة والمشادات والمشاجرات التي تنتهي جميعها لمصلحة الرجل بحكم موقعه السلطوي والتمييز الاجتماعي المنحاز له. وهو المحور الذي تطرقت اليه ميلاني في فيلمها "أطفال الطلاق"، اذ رصدت العلاقة الأسرية وتفاصيلها بين فتاة متحررة من القيود وأب متسلط تساوره الشكوك حول السلوك الأخلاقي لإبنته خارج فضاء الأسرة. وبذلك يكون الصراع بين الرجل والمرأة في مجتمع شرقي ينحاز الى الرجل ويخذل المرأة في أكثر قضاياها عدالة، هو الثيمة التي تحضر في جميع الافلام التي انتجتها ميلاني مع تنويع موفق لتمثلات علاقة الرجل

واذا كانت الأفلام الثلاثة الأولى تجسد عجز المرأة عن مواجهة تزمت الرجل، الا أن أفلاماً أخرى ترصد المرأة الإيرانية وقد دخلت طور المواجهة وتحدي الشروط التعسفية التي يفرضها المجتمع ضدها، وهي نقلة كبيرة في سينما ميلاني، ستأخذ أعلى مستويات النضج في فيلم "إمرأتان" الحاصل على جائزة أفضل فيلم في الدورة السابعة عشرة من "مهرجان الفجر الدولي".
يحكي الفيلم قصة فتاة تدعى فرشته تحاجج القضاء الايراني، كسلطة حليفة للرجل، وتفضح باقتدار المؤسسة القضائية التي تحاول ان تكرّس موقع المرأة ككائن قانع بتبعيته للرجل ومطيع لكل اشتراطاته اللاإنسانية. تتصل فرشته بصديقتها رؤيا للذهاب الى المشفى حيث زوجها يلتقط هناك أنفاسه الأخيرة، وفي الطريق تسرد الحوادث التي مرت بها وكيف انصاعت لأوامر أبيها الرافض زواجها من شاب متهور عشقته أثناء دراستها الجامعية في طهران لكنها اضطرت لاحقا لوأد هذا العشق والتوقف عن مواصلة تحصيلها الأكاديمي والعودة الى مدينتها اصفهان لتقترن برجل ذي ثقافة متزمتة استجابة لضغوط والدها ذي السلوك الحاد والعنيف. وفي مشهد معبّر، تخاطب فرشتة قاضيالمحكمة ردا على سؤاله "لكن زوجك لم يقطع عليك النفقة أليس كذلك" قائلة: "إنه كان يتجاهلني كإنسان، لقد سحق كرامتي وألغى شخصيتي فيما تحدثني حضرتك عن النفقات!". ومن خلال مشاهد وحوارات غير قليلة توجز ميلاني رؤيتها للقضاء الايراني كعنصر مساهم في تفاقم مشكلات المرأة الايرانية خلافا لدوره الذي يُفترض ان يقدم حلولا عملية وملموسة لمعضلات النساء في ايران.
في الفيلم نفسه تهتم ميلاني بالإشارة الى العلاقة التي تربط صديقتها رؤيا بزوجها، كنموذج إيجابي للرجل المتحضر، في محاولة للفكاك من تهمة إلصاق صفة الظلم بطبيعة الرجل. فأحمد، زوج رؤيا، ينحدر من الفئة المنفتحة على الثقافة الحديثة، وبذلك تشير المخرجة الى دور الثقافة والمحيط في رسم مصير الأفراد، كما تؤكد دور المستوى الثقافي في تحديد مصير المرأة وهو دور أكثر فاعلية في معالجة السلوكيات الشاذة للرجال المصابين بالعاهات النفسية الخطيرة. وفي هذا الباب يعتبر "امراتان" من الافلام التي تعتمد الثقافة المتنورة والمعالجة العميقة التي لا تتوسل النجاح الجماهيري وأساليبه المبتذلة. فالهدف هو توعية المجتمع بالمسائل القانونية والاجتماعية لنصفه الآخر

في فيلم "إمرأة إضافية" تقدم ميلاني معالجة مختلفة، فالرجل المحوري في الفيلم ينساق لشهواته وهوسه المرضي بالنساء، في مقابل زوجة مثقفة وحريصة على أداء واجباتها الأسرية. لكنها لا تشعر بالسعادة وتساورها الشكوك في خيانة زوجها. رغم ذلك تحاول ان تتصالح مع الظروف، ويسرد الفيلم قصصاً لنمطين من النساء: الطالبات الجامعيات ومشاغلهن الاساسية في المجتمع من جهة، وربات البيوت ومعاناتهن الحياتية من جهة اخرى. ويهتم الفيلم بالتبريرات التي تقدمها صبا في معاشرة رجل متزوج، باعتبارها ضحية الظروف غير المتكافئة. قبل سنوات من انجاز هذا الفيلم كتبت الناقدة السينمائية الايرانية مرضيه برومند في مجلة "فيلم" الشهرية: "ان على ميلاني ان تمنح الرجل الفرصة المتكافئة للتعبير عن افكاره وبذلك ستصل إلى مستوى من المحبة لا يقتصر على المرأة. وهي السمة التي ستطبع الفيلم بالواقعية والموضوعية في معالجة القضايا الاجتماعية". وربما استجابة لهذا المقترح، تعطي ميلاني في "امرأة إضافية"، مساحة كبيرة للرجل نادرا ما نلاحظها في افلامها السابقة، فهي تتيح لرحيم، الرجل الذي قتل زوجته بتهمة الخيانة الزوجية، التعبير عن دوافع الجريمة وندمه بعد اكتشافه حقيقة ان زوجته كانت بريئة ولم تقدم على ممارسة الخيانة الزوجية. أما أحمد، زوج سيما، فيحصل هو الآخر على الفرصة الكافية للتعبير عن الأسباب الإجبارية التي أرغمته على الاقتران بسيما وعن رغبته الدائمة بحياة العزوبية التي حرم منها بسبب تقاليد اجتماعية تكبّل الرجل بقيودها. يقول: "ما أن فتحنا أعيننا على الحياة حتى فوجئنا بامراة تقاسمنا كل شيء وبجيش من الأطفال".
يستعرض مدخل الفيلم مدرسة للبنات حيث تقف الأستاذة سيما محاصرةً بأسئلة الطالبات عن معنى السعادة، ونظرا الى ثقافتها الواسعة تقدم سيما الى طالباتها جملة من التعريفات لمفهوم السعادة، لكنها تخبئ في داخلها إخفاقها على الصعيد الشخصي في الحصول ولو على مقدار ضئيل من الحياة السعيدة، بسبب علاقتها المتوترة مع شريك حياتها. وإذ ترسم الطالبات لأستاذتهن سيما في أذهانهن نموذج المرأة السعيدة ويطرحن سؤالا شخصيا يتعلق بحياتها الأسرية، ينهار هذا الوهم ويتم التعبير عنه رمزيا بتزامنه مع انهيار سقف الصف الدراسي. ان المجادلات الحادة اليومية بين الجنسين، سواء في الحافلة او الشارع، تكشف مدى تدهور الوضع الاجتماعي، وهذا يتواشج مع البعد النفسي لسيما وخصوصا ان ظنونها في صدد العلاقة التي تجمع زوجها بفتاة تدعى صبا، تتحول الى يقين قاطع حينما تصادفهما في فندق خارج المدينة. ورغم هذا اليقين تتردد سيما هل عليها مغادرة المكان أو المكوث فيه، وترفض الاستجابة لنصيحة رجال الشرطة، رمز القانون، الذين يرجحون خيار الانصراف. هل عليها البقاء لاسترداد حقها الذي لم تنله قط؟ أن حبها لزوجها، رغم خيانته، لم ينطفئ بشكل تام، وهو شعور تحاول سيما أن تخفيه عن زوجها لكنه يبدو واضحا حينما يبكي الزوج ويشرع في شرح الأسباب التي أرغمته على ارتكاب الخيانة الزوجية، اذ تخاطبه سيما بعبارة "حبيبي أحمد"، وتحاول بصدق أن تعينه على إجتياز حرجه وأزمته النفسية.
من جهة أخرى، ثمة أمل ضئيل يحول دون انهيار الحياة الأسرية، وثمة تعاطف مع العشيقة وهي زميلة لها في المهنة وامرأة مثقفة. تلقي ميلاني الضوء على معادلة اجتماعية تنطوي على قدر كبير من المفارقة، مفادها ان الزوجة الخائنة تستحق أن تنال جزاءها من التصفية الجسدية، وهو فعل لا ينظر الى منفـّذه (أي الرجل) كمجرم وانما كمنفذ لعقوبة تستحقها المرأة، وبذلك لا يواجه سوى عقوبة مخففة عن قتله الزوجة الخائنة.
يرتكز مسعى سيما في جانب منه على شد انتباه زوجها أحمد لندم رحيم، الرجل الذي قتل زوجته بسبب خيانة لم ترتكبها، وهي بذلك تضع أحمد في موقع المجرم المعفى من العقوبة والجزاء بغية ايقاظ ضميره من سبات عميق. لكن ما يحطم سيما ويضعها على حافة الانهيار النفسي هو هويتها الآيلة الى الانهيار، هوية امرأة في مجتمع أبوي حيث النظرة النفعية للرجل ترى الى المرأة كبؤرة لتصريف غرائز الرجل.
من جهة أخرى، يبين فيلم "امرأة إضافية" أن المكانة الاخلاقية للفرد تتحدد وفق سياق البنية الاجتماعية، وان الخطاب الاجتماعي التسلطي هو ما يضفي على سلوك الأفراد المعنى والقيمة في آن واحد، سواء بالنسبة الى سيما المرأة المثقفة والملتزمة الشرط الاخلاقي، أو بالنسبة الى صبا المنفلتة منه. وبذلك يستوجب ان ينصبّ النقد في الدرجة الأولى، لا على سلوك الأفراد وانما على المنظومة الفكرية والإجتماعية التي تسلب الأفراد حريتهم واختيارهم. ولا بد من إعطاء فرصة الكلام لمن نظنه خائنا او فاسدا لتتضح لنا دوافعه في ارتكاب الجريمة.
"إمراة أضافية" هو شرح لحال نساء لا يمتلكن الجرأة في التمرد على السلطة، ويكشف الفيلم عن البعد الاجتماعي المسكوت عنه، الذي لم تتناوله النخبة الفكرية إلا بالمعالجات التقليدية التراثية نفسها، رغم كونه الشاغل الرئيسي لجيل يبحث عن كوة النور. وربما لهذا السبب تغادر سيما في نهاية الطاف الفندق وترافقها صبا التي تحاول ان تتطهر من جهلها بقيمتها. اما أحمد فيظل واقفا في انتظار الأمل، وهو في كل

كل الاحوال لم يكذب لأن الحب لا يُفرض كما يقول المثل

كتابة وتحليل :- الاديب والشاعر العراقي محمد الامين

الأربعاء، 4 يونيو 2008

عيسى يأتي، نظرة سينمائية مغايرة للحرب


الاديب العراقي محمد الأمين


كان على فيلم "عيسى يأتي" أن ينتظر ستة أعوام ليأخذ طريقه الى صالات السينما في العاصمة طهران، وعلى الرغم من الاستقبال الضعيف الذي واجه الفيلم في الأسابيع الأولى من عرضه، الا أن نقاد السينما يتوقعون له نجاحا كبيرا في الأسابيع القادمة نظرا لتوفره على عدة عوامل منها، قوة السيناريو ( من تأليف مشترك لشهريار مندني بور المعروف كواحد من الأسماء المهمة في الرواية الأدبية الايرانية في العقدين الاخيرين والمخرج علي جكان) في تجربة موفقة لاقتباس الأعمال الروائية سينمائيا

والفيلم يعالج قضية أسير ايراني"عيسى" يقدم على الهروب، من معسكرات الأسر التابعة للقوات العراقية في عهد النظام الديكتاتوري، لكنه يحاصر في اللحظات الأخيرة من قبل قوات تابعة للنظام، ويضطر الى الارتماء في النهر.
ويتبين للمشاهد من خلال الرسائل المتبادلة بين عيسى وابنته أنه خطط للهروب استجابة لطلبها في العودة الى البيت و في أسرع وقت ممكن.ويمكن القول أن أهمية فيلم "عيسى يأتي " متأتية من مغايرته للافلام النتجة أو المدعومة من قبل المؤسسات الحكومية والتي تعالج موضوعتي الحرب والأسر من منظور ثابت وخاضع للكليشيهات والشعارات، فالاهتمام بالبعد الفني والرؤية الخارجة عن الخطاب السينمائي الرسمي السائد وعدم الوقوع في فخ ايصال رسائل محددة مسبقا للمتلقي، تسجّل للفيلم فرادته وتمايزه عن أفلام الحرب الايرانية.
وثمة من النقاد الايرانيين من أشار الى أن نقاط قوة الفيلم تعود في الدرجة الأساس الى السيناريو ومنحاه السوريالي في معالجة حادثة إجتماعية هي من مخلفات الحرب التي شنها الديكتاتور المخلوع صدام حسين على ايران.فان وظفت السينما الايرانية رؤية عرفانية غيبية ساندت من خلالها أبطال أفلامها، فان المخرج الايراني غلي جكان كان موفقا في ربط الجانب السوريالي بعالم الاحلام واللاشعور الفردي، في تجربة جديدة استطاعت ان تتجاوز الحد الوهمي بين الواقع والخيال.في فيلم "عيسى يأتي " نحن إزاء رؤية انسانية للحرب أو بتعبير أدق ضد الحرب، توظف فنطازيا الكائن الانساني بوجه واقع مأساوي،ومرير.


WebCrawler Search