لا يفتأ الاعلام العربي يطالعنا كل يوم بمفارقات وعجائب تكشف نفاقنا وضحكنا على انفسنا والعجيب اكثر اننا لا نتوقف عن التعجب من اعلامنا الراقي وكأن ابداع الاعلام العربي والمثقفين في التمويه والتضليل يتفوق على كل تقنية دعائية واعلانية عرفها العالم خلال التاريخ
مفارقات بلا حدود
عندما قلبت التلفاز بحثا عن قنوات تروح عني وتنسيني هموم الحياة ومتاعبها ظهرت لي تلك القناة الاعلامية المشهورة لتنقل المؤتمر الصحفي لأمين الجامعة العربية السيد عمرو موسى مترأسا أجتماع وزراء الخارجية العرب الذين تجمهروا والتفوا حول امين الجامعة العربية لابداء دعمهم لسيادة رئيس جمهورية السودان القائد المفدى عمر البشير امام الاتهامات الدولية له بارتكاب جرائم ضد الانسانية في دارفور والعجيب في الامر ان امانة الجامعة العربية او ما احب تسميته نادي الدكتاتوريات العربية والوزراء العرب متمثلين في شخص االسيد عمرو موسى حاولوا جاهدين تخفيف الضغوط الدولية على الزعيم السوداني الذي وصل الى السلطة بواسطة ديمقراطية دبابات العسكر مثل اغلب الزعماء العرب ودعم الحركات الاسلامية وانه بريء من اي جريمة براءة الذئب من دم ابن يعقوب من دون ان يكلفوا انفسهم ولو قليلا بحث الازمة الانسانية في دارفور السوداء والفقيرة في نفس الوقت بل تطرقوا فقط الى الجانب القانوني والسياسي من القضية وبعض الكلمات التجميلية من هنا وهناك علما ان الاتهامات بل والادلة تشير الى مقتل من مائة الى اربعمائة الف نسمة وتهجير مليونين الى اربعة ملايين آخرين ناهيك عن عمليات الاغتصاب والتعذيب والحرق وبقية الافعال الاجرامية التي نراها كل يوم على شاشات التلفزيون والتي تظاهر بشأنها عشرات الآلاف في خمسين مدينة عالمية لم تكن من بينها اي مدينة عربية او اسلامية للاسف وكانت ملامح عمرو موسى قاسية بادية الغضب والحنق من المدعي العام للمحكمة الدولية الذي حاول القيام بواجبه وفقا للادلة والتحقيقات بتفويض من مجلس الامن اعلى سلطة اممية في العالم ونسي ان يبتسم تلك الابتسامة التي تبادلها في يوم من الايام مع مجرم الحرب اللبناني الملوث بدماء الابرياء من العرب اللبنانيين والمدان قضائيا زعيم حزب الكتائب اللبنانية سمير جعجع
عموما انتهى الخبر وبدأ الخبر الثاني الذي تهكم وتشفى برئيس وزراء الكيان الاسرائيلي ايهود اولمرت في فضيحة تلقيه رشاوى من احد رجال الاعمال وذكر الخبر ان اولمرت قد حصل على مائة الف دولار من رجل الاعمال المذكور خلال خمسة عشر عاما ،علما ان القضاء الاسرائيلي له سجل في التحقيق مع زعمائه فلا ننسى ان صبرا وشاتيلا قد اثيرت في القضاء الاسرائيلي قبل العربي او العالمي وتمت محاسبة ايريل شارون واقيل من اعماله وتحول الى شخص منبوذ لم يعد الى السلطة الا بعد استغلاله لحالة الهلع العام الذي اصاب اسرائيل بسبب التفجيرات والعمليات الانتحارية وفي التاريخ القريب تمت تنحية رئيس جمهورية اسرائيل موشية كساو بتهم تتعلق بسلوكه الجنسي مع موظفاته وكذلك جرى التحقيق مع شارون وابنه في تهم تتهلق الفساد وتمت جرجرتهم اكثر من مرة الى دوائر الشرطة لاستجوابهما وايهود اولمرت الآخر تعرض للاذلال والتوبيخ على يد رئيس اللجنة القضائية التي شكلها هو نفسه للتحقيق في مجريات حرب لبنان حتى ظهر على شاشات التلفزة كطفل صغير يتلقى الصفعات الكلامية من القاضي رئيس اللجنة وما التهمة الاخيرة التي يواجهها اولمرت الا حلقة من سلسلة اعمال القضاء الاسرائيلي في محاسبة مسؤوليه ، والغريب والعجيب في الامر تصريحات بعض المحللين السياسيين العرب في ان اسرائيل ضعيفة الان بسبب كم الفساد الهائل الذي تواجهه ولم يتعرض احد الى سيادة واستقلالية وسلطة القضاء الاسرائيلي في معالجة المفاسد المذكورة بل ولم يتطرق احد منهم الى مفاسد القضاء العربي وفضائح الزعماء والمسؤولين العرب بالطبع لانهم منزهون عن اي رذيلة او مفسدة.
لم تتوقف تداعيات القرار الاممي باصدار مذكرة التحقيق مع الرئيس المفدى على جميع الصعد والاعجوبة الاخرى هي زيارة الدعم التي تلقاها الرئيس السوداني من اتحاد المحامين العرب الذين القوا كلماتهم النارية للتعبير عن دعمهم المطلق له وكان لهذا الاتحاد المشؤوم مواقف مخزية في دعم الكثيرين من الساسة والزعماء العرب الآخرين ، وبدلا من ان يتكبدوا عناء التطرق الى قضايا المعتقلين السياسيين وانحسار الحريات العامة وتردي حالات السجناء والسجون ناهيك عن الابادة الجماعية كما في دارفور المسكينة وقبلها الابادة ضد عرب الجنوب والاكراد في العراق والقمع في المستشري في كل البلدان العربية والاضطهاد الشامل في جميع مناحي الحياة وقفوا بكل صلافة ووقاحة وقفة تحدي من دون الشعور بالعار وربما كان الحق معهم فمن يشعر بالعار هو الذي يعرف قيمة الشرف لكن الشرف لم يكن حليفهم يوما ما مما يشكل مفارقة اخرى بين مشاهدتي لدور القضاء الاسرائيلي ودور المحامين العرب.
ان القضاء الاسرائيلي الذي اذل زعماءه ومسؤوليه هو نفس القضاء الذي اسس لدولة صغيرة نشات على عجالة اذلتنا ومرغت انوفنا في التراب فصرنا اضحوكة امام الامم وبغض النظر عن كيفية واسلوب تكوين تلك الدولة وان كنا نوافق عليه او نرفضه فقد انتصرت وبتفوق على مئات الملايين من بني البشر المحيطين بهم
ومن العجب والعجب كثير في عالمنا العربي هي تلك النظرية التي تروج لدعم الغرب للدكتاتوريات العربية مع اسقاط دور الاتحاد السوفيتي في هذا الامر وعدم نقد الوضع الاجتماعي والعرفي والثقافي وحتى الديني الذي كرس مثل هذه الدكتاتوريات الاستثنائية في قسوتها و مدة بقائها الطويلة واذا ما أخذ الغرب في رفض الدكتاتورية التي كان يقبل بها سابقا باعتبارها في حكم الواقع المفروض عليه وفضل ان يستفيد منها ، انبرى الاخوة الغيارى في شحذ نصالهم ومهاجمة الغرب واتهامه بأهانة العرب وتحقيرهم واهانتهم بسبب التخلص من زعيمهم صدام حسين واعدامه بقرار من محكمة عراقية محلية ومطاردة اسامة بن لادن وازلامه في جميع انحاء العالم والضغط على الدكتاتوريات العتيقة لتغيير منهجها ودعم التغيير الايجابي الذي حصل في بعض الدول نحو الديمقراطية ، كل هذا لم يشف غليل العرب في حقدهم على الغرب وحقدهم على كل ما هو حضاري وتقدمي وفضلوا الانغلاق على انفسهم في دوامة من العنف والاضطهاد الابديين وكان المثقف العظيم الذي جاد به الزمان علينا الاستاذ الفاضل البروفيسور الدكتور شعبان عبد الرحيم لسان حالهم عندما قال في اغنيته الرائعة
بحب عمرو موسى وبكره اسرائيل وهي كلمات تفسرها شعوبنا في عقلها الباطن بصورة اكثر تفصيلا للاسف لتصبح بحب عمرو موسى والدكتاتوريات العربية وبكره الغرب والديمقراطية
كتابة ازهر مهدي