الأحد، 15 يونيو 2008

الابـــــــــــــــــواب


قصة قصيرة من تأليف - ازهر مهدي

انها الساعة الثانية بعد الظهر والهاتف المتحرك لم يتوقف عن الصراخ والرنين فقد لازمني هذا الاختراع بسبب طبيعة عملي كمندوب مبيعات سنين طوال ورغم اني غيرت الهاتف والنغمات ظنا مني ان هذا سيغير من مزاجي شيئا لكن عبثا ما حاولت اذ ظل الهاتف يرن ويرن ويرن من دون توقف وعندما تجيبهم آلة الرد لا ينفكون يثرثرون بطلباتهم وشكاواهم الابدية ، انها فترة استراحتي لكن يبدوا انهم الغوا فكرة الاستراحة من حياتهم.



المطبخ هو مكاني الوحيد المفضل في هذه الشركة التي عينت فيها العام الماضي وهذا الاسبوع نقلوني الى قسم خدمة العملاء بسبب اجراءات التقشف وتقليل عدد العاملين وقد قبلت براتب اقل لتجنب فصلي رضوخا مني لنصيحة مديري او بالاحرى اوامره !!!!!!


خصصوا لي هذا المكتب المغلق من دون ان يحدثوا لي فيه اي نافذة لتدخل منها اشعة الشمس كأنهم يريدون اختبار قدرة تحملي على البقاء حيا في اسوأ الظروف ان هذا المطبخ هو المكان الوحيد الذي لا يجروء مديرنا الدميم والمتحفظ ان يدخله لا لشيء سوى انه يترفع عن مخالطة الموظفين الادنى منه مرتبة فلهذا اجدني ادخل الى المطبخ الرائع خلسة لادخن سيجارتي للمرة الالف واشاهد منظر الشمس والناس في الخارج.لكن لا شيء يستمر في هذه الحياة وخصوصا في هذه الشركة فلا بد ان يقاطعني هذا الهاتف الذي اصبح قدري ومعذبي.

- سيدي ان هاتفك يرن منذ مدة – قاطعني الفراش المسكين ذلك الشيخ الستيني صاحب الشعر الابيض انها المرة الاولى التي اتطلع الى هيأته وجهه الذاوي شعرت حينها ان السماء او القدر يوجهان لي رسالة لأفعل شيئا قبل فوات الاوان اي قبل ان اصبح مثله !!!!

- نعم اني قادم – اجبته مستسلما وغاضبا

- لاتغضب يا بني العمل متعب دائما – قال عبارته بلطف مشوب بالحنان

- نعم لكن ليس عملي

- على الاقل لست فراشا فهل تريد ان نتبادل مهامنا – قالها ضاحكا وربت على كتفي بحنان

لكنني هذه المرة لم اتمكن من اخذ الهاتف شعرت بأنه سيفترسني كالذي يفتح بابا للوحش وهو يعلم ان الوحش الجائع سينقض عليه ،كل ما فعلته اني اخرست هذا الشيء الكريه و اتنتابني الحاجة للمغادرة وفعلا اتخذت قراري الشجاع وتجرأت على المغادرة ،غادرت الشركة وبالطبع لم انس اخبار السكرتيرة اللاهثة وراء زلات الموظفين والعاملين كأنها تتغذى على اخطائهم واحباطاتهم ،وان لم يخطؤوا تمارس مهارتها في تحذيرهم من الوقوع في الخطأ ،اخبرتها بأنني اشعر بالارهاق وهي حجة لم ترقها على كل حال فلم تنس ان تقول :-

- نراك غدا بالتأكيد ؟

- اكيد يا عزيزتي فلا مفر لي من ان اراك يوميا.

هرولت سريعا ، احسست ان الطريق الى الباب اصبح اطول مما كان يبدو سابقا وعندما وصلت الى الباب شعرت ان المقبض لا يطاوعني ، لا يريدني ان اخرج لا يريدني ان ارحل تصورت لوهلة ان لهذا الباب وجها عابسا وان مقبضه يريد ليّ ذراعي كأنه يقول لي – هيت لك - لكنني لم استسلم له لم استسلم لهذا الباب الجبار الرجيم فأدرت المقبض وخرجت بسرعة فأصدر صوتا مدويا كأنه يقول لي ارجع ايها المغفل ،الا اني لم اعره بالا فأن كان قويا فأنا اسرع منه بالتأكيد.

خرجت الى الشارع الذي بدا رائعا حينها، خاليا من المارة الذين يعج بهم في ساعات الصباح الاولى حاولت ان اجلس في اي مكان خفي وبعيد فوجدتني اسير نحو تلك الحديقة المهملة والقديمة التي خلت هي الاخرى من الناس بأستثناء بائع الشاي المنزوي كأنه احد اللصوص المطاردين، احسست انني لم ادخل حديقة خضراء منذ امد بعيد فالاماكن المغلقة هي كل ما يحبه مديري والسكرتيرة والباب الموصد وزوجتي، وعلى ذكر الشيطان لقد رن الهاتف وعرفت انها هي المتصلة – اي زوجتي - من تلك النغمة المخصصة لها والتي تشعرني بان اسوأ ما قد يحصل قد حصل بالفعل اذ ان هوايتها تتلخص في احالة حياتي الى وجع مطبق لا استطيع منه خلاصا وكأن ما عندي ليس كافيا.

- الو، كيف انت ؟

- جيدة ، اين انت ؟ اتصلت بالشركة وقالوا انك غادرت !

كنت متعبا وشعرت بحاجة للمغادرة.

هل اصبحت افضل الان ؟ اذا لم يكن لديك شيء تعال لتناول الغداء سويا ؟

- اني ارغب بالاختلاء بنفسي قليلا وها انا جالس الان في مكان مريح وهناك رجل يعد الشاي ، ارغب بشرب فنجان من الشاي في هذه الحديقة يجب ان اذهب الان .

اغلقت السماعة بسرعة وتوجهت الى كشك الشاي في الزاوية البعيدة فلن افوت هذه الفرصة لاجلس في هذا المكان المنعزل لأشرب الشاي الاحمر او حتى الازرق .

كانت رائحة الشاي المختلطة بالهواء المضمخ بعطر الاعشاب والحشائش رائعة فعلا وصوت فيروز الذي ينبعث من المسجل القديم وقد بح صوته وتعب من اثر السنين يثير في النفس الحنين الى الايام الخوالي ، ان صوت فيروز يظل ساحرا مهما كان المسجل الذي نستعمله ومهما تقادمت الايام والعصور ،كم نسيت ان اجلس في اماكن خضراء كهذه وكم نسيت ان استمع الى فيروز كما نسيت اشياء كثيرة من قبل ومن بعد ، تقدمت من بائع الشاي المسكين الذي يشبه فراش شركتنا في تعاسته وبساطته وسألته :

- هل لي بقدح كبير من الشاي ؟ ( لأني احب شرب الشاي كثيرا)

- نعم سيدي تفضل اجلس على هذا الكرسي ( قالها وهو يخرج الكرسي المتهريء من بطن العربة القديمة، لقد بدا سعيدا بي فلم يعد الزبائن يحبون شرب الشاي الا في المحلات الانيقة والمغلقة التي تحميهم من الشمس)

جلست وحيدا ارتشف هذا القدح الرائع من الشاي وكأنني لم اشرب مثله منذ امد وانا اتطلع من حولي مستسلما لنور الشمس الذي يداعب بشرتي لكني حتى حينها لم انعم بالهدوء الذي نشدته فلقد قاطعني البائع الذي بدا يشعر بالملل هو الاخر فقال :-

- يبدوا انك متعلم يا سيدي وتعرف بما يدور هذه الايام فهل استمعت الى الاخبار اليوم يقولون ان الحرب ستقع قريبا في المنطقة.

آه كم اكره هذه المواضيع فلا احد يجيد الحديث الا عن الحرب والسياسة والمؤامرات انه القرف الذي لا يمل منه الناس في ايامنا هذه فحتى بائع الشاي اصبح يتحدث ويبحث في السياسة

-لم اسمع شيئا اليوم ولا اريد ان اسمع اذ اني اشعر بالملل واليأس من كل ما يدور، منذ خمسين عاما والكوارث تأتي ولا تجد لها حلا فالافضل لي ان لا افكر او اتدخل في السياسة.

- يا بني نحن اصحاب حق ويجب ان ندافع عن قضيتنا المقدسة ( قالها كأنه احد الزعماء العرب عندما يتحدثون عن المقدسات ونسي او لم يعلم ان اعداءه في بيته وشارعه ووطنه قبل ان يكونوا في الطرف المقابل الذي اذلنا بعد ان اذللنا انفسنا )

انه القرف مرة اخرة ولم يخففه عني سوى اغنية فيروز التي اعادتني الى ايامي الجميلة وهي تغني تلك الاغنية الجميلة - لا يدوم اغترابي - ولأني شعرت بأنه سيقاطعني ثانية بادرته قائلا :-

- كم احب الانصات الى فيروز وهذه الاغنية بالذات شكرا لك لأنك من اصحاب الذوق الرفيع سيدي.

عندها شعر بأني لست في مزاج يسمح لي بالكلام فرأف بحالي وتركني استمع الى اروع اغنية في تاريخ الفن فلم اشعر بجمال هذه الاغنية الا الان كأني اسمعها للمرة الاولى فأثارت جميع مشاعري وذكرياتي كم هي رائعة وهي تقول حبيبتي زنبقة صغيرة وانا عوسج حزين وكم عبرت عن همومي وهي تصدح يا اسفأ للعمر كيف ضاع فيا اسفي للعمر كيف ضاع فعلا.

طلبت قدحا آخر من الشاي وجلست تحت شجرة الصفصاف العتيقة كانها الشاهد الصامت على عذابات من مروا امامها وسعادتهم عادت بي الذاكرة الى ايامي الجميلة او التي حاولت جاهدا ان اجعلها جميلة ما استطعت ، كنت شابا فاضلا في صباي وشبابي اؤمن بأن الحياة هبة من العلي القدير يجب ان نقدسها، فلم اكن افكر الا بما هو جميل ونقي ولم انوي في قلبي الا بما هو طاهر وطيب ، كانت امنيتي الوحيدة ان اعيش حياة القديسين والفلاسفة وكم كنت اتعجب لأولئك التعساء الذين يلعنون حظهم كل يوم من دون ان اعرف اني ساصبح واحدا مثلهم فقد بدأت هذه الحياة المقدسة تتكشف عن خبايا اقل ما اصفها بأنها مؤلمة وطاحنة لأي احساس جميل، امتصت كل شيء بهيج وسعيد في داخلي وجعلتني اشعر بأني عار عن كل آدمية وامطار اليأس تخنقني كل ما امتد بي العمر.

وحدها فيروز تغسلني في هذه اللحظات التي توقف فيها احساسي بالاشياء ولم تقاطع هذه الصوت الابيض الا زوجتي التي ، لم ارد عليها ، انها المرة الاولى التي لم ارد عليها منذ زواجي بها كأن استجابتي لكلماتها واوامرها ونواهيها كانت تتم بصورة آلية لا يمكنني تغيرها او رفضها، لقد كرهت كل نساء الارض بسببها لقد جاءت الى حياتي الصغيرة من عالم المجهول بعدما خضعت لرغبة اهلي للزواج مبكرا فقد تزوج اخوتي جميعا في سن مبكرة وكنت انا الاعزب الوحيد بينهم فرغبت ان اتخلص من تعليقاتهم التي كانت شريرة في معظمها وخضعت لهم ومنيت نفسي بالقول بأنني ساختار المرأة التي اتزوجها وما عليهم سوى ان يعرضوا علي الفتيات ممن تتوفر فيهن المواصفات التقليدية وفعلا اخترتها هي من قائمة ليست طويلة وخضعت لهم ولها ولم اعلم انني سأظل طوال عمري خاضعا جبانا ، بعد ان سمحت لها بسذاجتي وسطحيتي ان تحيلني الى شيء هامد ، فأنا مجرد شيء لا يشكل سوى ردود افعال لتصرفاتها وافكارها المقيتة فلا هم لها الا ان تثرثر بكلام تافه ولا تجيد شيئا الا الحياكة لكنها حياكة المؤامرات وليس الملابس.

حل المساء وجاء بعض الناس الى هذه الحديقة الصامتة شعرت بأنهم يبحثون عن مكان منعزل كهذا المكان ليتخلصوا من ضجيج العالم واحباطته ،وانى لهم ذلك؟ فبتجمعهم افسدوا الشيء الذي ينشدونه ألا وهو السكينة، لقد رأيتهم يشيحون بوجوههم عن الاخرين كأنهم يخفون التشوه والاعاقة في داخلهم عن بعضهم البعض حينها علمت اني لست وحدي في هذا العالم فهناك غيري يرغبون بالهرب ،الهرب كم هو جميل ذلك الهرب فلا ابواب ولا مدير ولا هاتف ولا شيء الا انا والشوارع الخالية واكواب الشاي وصوت فيروز !!!!!! ، لكن بائع الشاي الذي استبدل شريط فيروز بالاغاني الحديثة والسريعة بدا سعيدا بهم كأنهم ضيوف اعزاء باستثناء انهم ضيوف يدفعون اجرة الضيافة مقدما، حينها لم يسعني البقاء فغادرت ، كان المهم ان اغادر و اهرب الى اي مكان ولأني لم احضر سيارتي وجدتني امشي وامشي حتى وصلت من دون ارادة مني الى بيتي، كنت متعبا وجائعا ورائحة العرق تفوح مني وصلت الى الباب العملاق ليظهر لي ذات الوجه الذي ارتسم على باب الشركة قبل ساعات ، بدا ساخرا مني وارتسمت عليه تلك الملامح القاسية المتشفية لرجل منتصر كأنه تمكن من قهري واذلالي.

- لقد عدت لي اخيرا ( كان الوجه وجه الباب لكن الصوت صوت زوجتي ).

حينها استدرت راجعا لا الوي على شيء ، تمالكت نفسي و حاولت العودة للبيت لكن اوجها اخرى ارتسمت على كل الابواب والمباني فتارة كانت عابسة وتارة كانت حزينة ،وغاضبة ويائسة تارة اخرى وقليل منها بدا مبتسما ضاحكا كأنها تعكس ما خلفها من تعاسات السكان واوجاعهم وكأنها تمنحني البصيرة والنصيحة لمعرفة ما في تلك الدور من مشاعر اليمة عبر الشكل المرتسم على ابوابها ، بعدها لم اجد بدا من العودة الى تلك الحديقة لكي ارتاح قليلا فقد تأخر الوقت ولا بد ان من فيها قد غادرها ،حينها فهمت لماذا يتشرد الناس ليس لأنهم لا يجدون مأوى لهم بل لأنهم يهربون من ابوابهم المغلقة والعابسة مثلي، كان التعب قد هدني فلم اجد بدا من النوم الذي لم اهنأ به كثيرا ايضا فلم يطل بي المقام حتى ايقضني الشرطي وجرني الى مركز الشرطة بتهمة التشرد والتسكع كالبهيمة ولم يستمع الى اي كلمة قلتها او الى توسلاتي بان يتركني لحالي ولم يصدقني عندما قلت له اني هارب من ذلك الوجه المرتسم على الابواب الذي يطاردني فاجابني ساخرا.

- ان ابوابنا من نوع خاص لا احد يستطيع ان يرتسم عليها ايها الابله – حينها شعرت بالامان قليلا فهو الدولة والدولة لا تكذب بشأن الابواب ابدا !!! فسرت معه الى السيارة بهدوء وانا ارى نظرة الاحتقار على وجهه لكن لا اخفي ان كلامه كان صحيحا عندما تكلم عن ابوابهم وعندما وصفني بالابله.

وبعد ان رمي بي في الزنزانة كاحد اللصوص او المتسولين وبعد ان تم استواجبي لفترة قصيرة اتصل الضابط باخي ليخرجني على ضمانته او قل عندما لاحظ وجود محفظة تحتوي نقودا في جيبي عندما فتشني ولان السرقة ممنوعة قانونا فضّل ان ياخذها هدية مني، ولم يطل بأخي المقام حتى حضر الى المركز مذهولا او كمن يريد ان يخفي فضيحة بعدم تكلمه عنها،وساعده على الصمت منظري المتعب وثيابي المتسخة والابتزاز الذي تعرض له في مركز الشرطة ، فأسرع بأخذي الى منزله وطلب مني ان استحم واغير ثيابي ثم اقلني الى منزلي لاخلد الى فراشي ، بسرعة وحدها زوجتي استقبلتني بكلامها المقذع لكنها زادته وحشية وضراوة هذه المرة فهي تثبت دوما انها تتفوق على نفسها في دناءة معي و كل ما فعلته اني توجهت الى غرفة ابنتي لاطمئن عليها بعدها استغرقت في نومي وعندما صحوت قلت لها من دون تردد وبعد ان استجمعت اشلاء قواي وشجاعتي وكرامتي اني اريد الانفصال عنها ، لكن الغريب انها لم تبد ردة فعل كالتي كنت اتوقعها بل قالت حاول ان ترتاح ثم نتكلم لاحقا !!!

في اليوم التالي اصطحبتني الى طبيب نفسي وبعد بضعة ايام اخبرت عائلتي انها تود الطلاق فلا يمكنها ان تأمن على نفسها من رجل يراجع طبيبا نفسيا وهي خطوة ذكية اتخذتها لتبرز انها غير مستعدة للعيش مع مجنون .

كل ما اتذكره بعدها اني عشت مدة منكفئا على ذاتي قالوا انها سنة ونصف، صرت فيها حبيس غرفتي لا يمنعني من الخروج منها الا ذلك الوجه المنتصب على الباب امامي ولا اخرج منها الا عندما يصطحبني احد اخوتي او اخواتي الى الطبيب اذ فقدت اهتمامي حينها بكل ما حولي وعشت منغمسا في عالم من الذكريات والاحلام التي رسمتها لنفسي.

لكنه كان يوما باردا ومطيرا ذلك الذي استيقضت فيه على صوت قطرات المطر المرتطمة على زجاج النافذة ، انها المرة الاولى التي يثيرني فيها شيء ما منذ مدة وعندما ذهبت لانظر عبر النافذه شاهدت تلك الحمامة التي اتخذت من كوة الحائط المقابل عشا لها وهي تحتضن افراخها خوفا عليهم فما كان مني الا ان هرولت راكضا دون ارادة مني الى الخارج كي امنع عنها الرياح والمطر وعندما اقتربت منها رأيتها متشبثة بافراخها غير آبهة بي او بالرياح والمطر ولم انزل الا عندما نادتني شقيقتي التي لحقت بي باكية وسط المطر الغزير وهي تراني اتسلق الجدار ظنا منها انني في طور جديد من الجنون ، لكنها اطمئنت عندما جلسنا نتناول الطعام سويا وبعد ان تحدثت مع قليلا واخبرتني بما وقع خلال تلك المدة من احداث وحرب.

في اليوم التالي وبعد ان اجتمعت العائلة المذهولة التي لم يصدق احد منهم اني قد عدت الى طبيعتي - رغم ان لا احد يعود الى طبيعته- خرجت الى المدينة لاستكشف ما فيها فكان الخراب شاملا و وقعت الحرب وتغيرت الوجوه والاماكن والزعامات وصارت الحياة اكثر فوضوية ، وحدها الحديقة المنزوية ضلت على حالها لكنها خلت من كشك الشاي ومن صوت فيروز العبق ونمت فيها الاعشاب والحشائش بسبب تركها لمدة طويلة .

بعد شهر حصلت على امتياز من البلدية لتطوير الحديقة فقد كانت حفنة من الدولارات كافية للحصول على امتياز يمتد لعشر سنوات بدأت بعدها بتسييج الحديقة واستأجرت بعض العمال لزراعتها مجددا وطلبت من بائع الشاي ان يعود للمكان بعد ان بنيت له كشكا جديدا و طلبت منه ان يبيع نفس النوعية من الشاي وبنفس المذاق واعطيته مسجلا جديدا لنستمتع من خلاله بصوت فيروز الخالد واتخذت لنفسي ركنا ابيع فيه الكتب والقرطاسية وبدأ الناس يعودون الى الحديقة التي استثمرتها بشكل جيد فلم انس شخصيتي العملية وعرضت على بعض الباعة المتجولين ان يعرضوا بضاعتهم مقابل ايجار شهري مناسب للطرفين.

لم تعد للابواب مشكلة معي فقلما تصادفني في حياتي وعملي واذا ما ارتسم وجه عليها فأني ببساطة ابتسم وامسك بالمقبض بقوة وافتح الباب بيسر وسهولة واستغرب لماذا كانت العملية صعبة ومجهدة لي في السابق !!!!

فشلت في زواجي نعم لكني حصلت على حضانة ابنتي التي لم تهتم زوجتي بتحمل مسؤوليتها فلا تزال الفرصة امامها لتجرب حضها مع شخص افضل مني كما تقول ، انا بدوري قد ارتبطت عاطفيا بتلك الانسانة اللطيفة التي تمر بمكتبتي الصغيرة من حين لآخر لتشتري بعض الكتب لم افاتحها بشيء حتى الان لكني اشعر ان هناك اعجابا متبادلا بين الطرفين وان حدثا ربما سيجمعنا قريبا ، الاهم من هذا كله انني قررت الاستمرار رغم ما مر وانه ابدا لن يدوم اغترابي

ازهر مهدي

Azhermahdi@gmail.com

WebCrawler Search