السبت، 7 يونيو 2008

أفلام تهمينه ميلاني تكشف الغـطـاء عـن "النصـف المخفي"















للمخرجة الايرانية تهمينه ميلاني حضور كبير في الدراسات والبحوث النسائية السينمائية في ايران، إذ تتميز عن سائر المخرجات الايرانيات اللواتي تناولن قضايا المرأة الايرانية وهمومها، بمعالجاتها الجريئة وآرائها العميقة. وتتبوأ ميلاني موقعا مميزا في قائمة الناشطات في مجال حقوق المرأة، ورأى النقاد في فيلمها الشهير، "النصف المخفي"، أنه نابع من رؤية إمرأة ذات كفاءة عالية في خوض الشأن السياسي.
بدأت ميلاني الحاصلة على الماجستير في الفن والعمارة من جامعة طهران مشوارها الفني كمساعدة اخراج في سلسلة من الافلام، وكان فيلم "أطفال الطلاق"، انجازها الأول في مجال الإخراج، ثم أخرجت مجموعة من الأفلام أهمها "خرافة الآهة"، "ما الخبر؟"، "كاكادو"، "إمرأتان"، "النصف الخفي"، "ردة الفعل الخامسة"، "إمرأة إضافية"، كما شاركت في كتابة سيناريوات للعديد من الأفلام.
مع أن الفيلم الأول لميلاني تطرق الى معاناة المرأة الايرانية في مواجهة نظرة المجتمع السلبية تجاهها، فإنها رصدت في فيلمها "ما الخبر؟" العلاقة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة والمشادات والمشاجرات التي تنتهي جميعها لمصلحة الرجل بحكم موقعه السلطوي والتمييز الاجتماعي المنحاز له. وهو المحور الذي تطرقت اليه ميلاني في فيلمها "أطفال الطلاق"، اذ رصدت العلاقة الأسرية وتفاصيلها بين فتاة متحررة من القيود وأب متسلط تساوره الشكوك حول السلوك الأخلاقي لإبنته خارج فضاء الأسرة. وبذلك يكون الصراع بين الرجل والمرأة في مجتمع شرقي ينحاز الى الرجل ويخذل المرأة في أكثر قضاياها عدالة، هو الثيمة التي تحضر في جميع الافلام التي انتجتها ميلاني مع تنويع موفق لتمثلات علاقة الرجل

واذا كانت الأفلام الثلاثة الأولى تجسد عجز المرأة عن مواجهة تزمت الرجل، الا أن أفلاماً أخرى ترصد المرأة الإيرانية وقد دخلت طور المواجهة وتحدي الشروط التعسفية التي يفرضها المجتمع ضدها، وهي نقلة كبيرة في سينما ميلاني، ستأخذ أعلى مستويات النضج في فيلم "إمرأتان" الحاصل على جائزة أفضل فيلم في الدورة السابعة عشرة من "مهرجان الفجر الدولي".
يحكي الفيلم قصة فتاة تدعى فرشته تحاجج القضاء الايراني، كسلطة حليفة للرجل، وتفضح باقتدار المؤسسة القضائية التي تحاول ان تكرّس موقع المرأة ككائن قانع بتبعيته للرجل ومطيع لكل اشتراطاته اللاإنسانية. تتصل فرشته بصديقتها رؤيا للذهاب الى المشفى حيث زوجها يلتقط هناك أنفاسه الأخيرة، وفي الطريق تسرد الحوادث التي مرت بها وكيف انصاعت لأوامر أبيها الرافض زواجها من شاب متهور عشقته أثناء دراستها الجامعية في طهران لكنها اضطرت لاحقا لوأد هذا العشق والتوقف عن مواصلة تحصيلها الأكاديمي والعودة الى مدينتها اصفهان لتقترن برجل ذي ثقافة متزمتة استجابة لضغوط والدها ذي السلوك الحاد والعنيف. وفي مشهد معبّر، تخاطب فرشتة قاضيالمحكمة ردا على سؤاله "لكن زوجك لم يقطع عليك النفقة أليس كذلك" قائلة: "إنه كان يتجاهلني كإنسان، لقد سحق كرامتي وألغى شخصيتي فيما تحدثني حضرتك عن النفقات!". ومن خلال مشاهد وحوارات غير قليلة توجز ميلاني رؤيتها للقضاء الايراني كعنصر مساهم في تفاقم مشكلات المرأة الايرانية خلافا لدوره الذي يُفترض ان يقدم حلولا عملية وملموسة لمعضلات النساء في ايران.
في الفيلم نفسه تهتم ميلاني بالإشارة الى العلاقة التي تربط صديقتها رؤيا بزوجها، كنموذج إيجابي للرجل المتحضر، في محاولة للفكاك من تهمة إلصاق صفة الظلم بطبيعة الرجل. فأحمد، زوج رؤيا، ينحدر من الفئة المنفتحة على الثقافة الحديثة، وبذلك تشير المخرجة الى دور الثقافة والمحيط في رسم مصير الأفراد، كما تؤكد دور المستوى الثقافي في تحديد مصير المرأة وهو دور أكثر فاعلية في معالجة السلوكيات الشاذة للرجال المصابين بالعاهات النفسية الخطيرة. وفي هذا الباب يعتبر "امراتان" من الافلام التي تعتمد الثقافة المتنورة والمعالجة العميقة التي لا تتوسل النجاح الجماهيري وأساليبه المبتذلة. فالهدف هو توعية المجتمع بالمسائل القانونية والاجتماعية لنصفه الآخر

في فيلم "إمرأة إضافية" تقدم ميلاني معالجة مختلفة، فالرجل المحوري في الفيلم ينساق لشهواته وهوسه المرضي بالنساء، في مقابل زوجة مثقفة وحريصة على أداء واجباتها الأسرية. لكنها لا تشعر بالسعادة وتساورها الشكوك في خيانة زوجها. رغم ذلك تحاول ان تتصالح مع الظروف، ويسرد الفيلم قصصاً لنمطين من النساء: الطالبات الجامعيات ومشاغلهن الاساسية في المجتمع من جهة، وربات البيوت ومعاناتهن الحياتية من جهة اخرى. ويهتم الفيلم بالتبريرات التي تقدمها صبا في معاشرة رجل متزوج، باعتبارها ضحية الظروف غير المتكافئة. قبل سنوات من انجاز هذا الفيلم كتبت الناقدة السينمائية الايرانية مرضيه برومند في مجلة "فيلم" الشهرية: "ان على ميلاني ان تمنح الرجل الفرصة المتكافئة للتعبير عن افكاره وبذلك ستصل إلى مستوى من المحبة لا يقتصر على المرأة. وهي السمة التي ستطبع الفيلم بالواقعية والموضوعية في معالجة القضايا الاجتماعية". وربما استجابة لهذا المقترح، تعطي ميلاني في "امرأة إضافية"، مساحة كبيرة للرجل نادرا ما نلاحظها في افلامها السابقة، فهي تتيح لرحيم، الرجل الذي قتل زوجته بتهمة الخيانة الزوجية، التعبير عن دوافع الجريمة وندمه بعد اكتشافه حقيقة ان زوجته كانت بريئة ولم تقدم على ممارسة الخيانة الزوجية. أما أحمد، زوج سيما، فيحصل هو الآخر على الفرصة الكافية للتعبير عن الأسباب الإجبارية التي أرغمته على الاقتران بسيما وعن رغبته الدائمة بحياة العزوبية التي حرم منها بسبب تقاليد اجتماعية تكبّل الرجل بقيودها. يقول: "ما أن فتحنا أعيننا على الحياة حتى فوجئنا بامراة تقاسمنا كل شيء وبجيش من الأطفال".
يستعرض مدخل الفيلم مدرسة للبنات حيث تقف الأستاذة سيما محاصرةً بأسئلة الطالبات عن معنى السعادة، ونظرا الى ثقافتها الواسعة تقدم سيما الى طالباتها جملة من التعريفات لمفهوم السعادة، لكنها تخبئ في داخلها إخفاقها على الصعيد الشخصي في الحصول ولو على مقدار ضئيل من الحياة السعيدة، بسبب علاقتها المتوترة مع شريك حياتها. وإذ ترسم الطالبات لأستاذتهن سيما في أذهانهن نموذج المرأة السعيدة ويطرحن سؤالا شخصيا يتعلق بحياتها الأسرية، ينهار هذا الوهم ويتم التعبير عنه رمزيا بتزامنه مع انهيار سقف الصف الدراسي. ان المجادلات الحادة اليومية بين الجنسين، سواء في الحافلة او الشارع، تكشف مدى تدهور الوضع الاجتماعي، وهذا يتواشج مع البعد النفسي لسيما وخصوصا ان ظنونها في صدد العلاقة التي تجمع زوجها بفتاة تدعى صبا، تتحول الى يقين قاطع حينما تصادفهما في فندق خارج المدينة. ورغم هذا اليقين تتردد سيما هل عليها مغادرة المكان أو المكوث فيه، وترفض الاستجابة لنصيحة رجال الشرطة، رمز القانون، الذين يرجحون خيار الانصراف. هل عليها البقاء لاسترداد حقها الذي لم تنله قط؟ أن حبها لزوجها، رغم خيانته، لم ينطفئ بشكل تام، وهو شعور تحاول سيما أن تخفيه عن زوجها لكنه يبدو واضحا حينما يبكي الزوج ويشرع في شرح الأسباب التي أرغمته على ارتكاب الخيانة الزوجية، اذ تخاطبه سيما بعبارة "حبيبي أحمد"، وتحاول بصدق أن تعينه على إجتياز حرجه وأزمته النفسية.
من جهة أخرى، ثمة أمل ضئيل يحول دون انهيار الحياة الأسرية، وثمة تعاطف مع العشيقة وهي زميلة لها في المهنة وامرأة مثقفة. تلقي ميلاني الضوء على معادلة اجتماعية تنطوي على قدر كبير من المفارقة، مفادها ان الزوجة الخائنة تستحق أن تنال جزاءها من التصفية الجسدية، وهو فعل لا ينظر الى منفـّذه (أي الرجل) كمجرم وانما كمنفذ لعقوبة تستحقها المرأة، وبذلك لا يواجه سوى عقوبة مخففة عن قتله الزوجة الخائنة.
يرتكز مسعى سيما في جانب منه على شد انتباه زوجها أحمد لندم رحيم، الرجل الذي قتل زوجته بسبب خيانة لم ترتكبها، وهي بذلك تضع أحمد في موقع المجرم المعفى من العقوبة والجزاء بغية ايقاظ ضميره من سبات عميق. لكن ما يحطم سيما ويضعها على حافة الانهيار النفسي هو هويتها الآيلة الى الانهيار، هوية امرأة في مجتمع أبوي حيث النظرة النفعية للرجل ترى الى المرأة كبؤرة لتصريف غرائز الرجل.
من جهة أخرى، يبين فيلم "امرأة إضافية" أن المكانة الاخلاقية للفرد تتحدد وفق سياق البنية الاجتماعية، وان الخطاب الاجتماعي التسلطي هو ما يضفي على سلوك الأفراد المعنى والقيمة في آن واحد، سواء بالنسبة الى سيما المرأة المثقفة والملتزمة الشرط الاخلاقي، أو بالنسبة الى صبا المنفلتة منه. وبذلك يستوجب ان ينصبّ النقد في الدرجة الأولى، لا على سلوك الأفراد وانما على المنظومة الفكرية والإجتماعية التي تسلب الأفراد حريتهم واختيارهم. ولا بد من إعطاء فرصة الكلام لمن نظنه خائنا او فاسدا لتتضح لنا دوافعه في ارتكاب الجريمة.
"إمراة أضافية" هو شرح لحال نساء لا يمتلكن الجرأة في التمرد على السلطة، ويكشف الفيلم عن البعد الاجتماعي المسكوت عنه، الذي لم تتناوله النخبة الفكرية إلا بالمعالجات التقليدية التراثية نفسها، رغم كونه الشاغل الرئيسي لجيل يبحث عن كوة النور. وربما لهذا السبب تغادر سيما في نهاية الطاف الفندق وترافقها صبا التي تحاول ان تتطهر من جهلها بقيمتها. اما أحمد فيظل واقفا في انتظار الأمل، وهو في كل

كل الاحوال لم يكذب لأن الحب لا يُفرض كما يقول المثل

كتابة وتحليل :- الاديب والشاعر العراقي محمد الامين

WebCrawler Search