الجمعة، 20 يونيو 2008

أحيا لأنتقم

قصة قصيرة من تأليف ازهر مهدي

في ليلة هادئة ورائعة وبعد ان استغرقت فيها بالعمل المضني وانعزلت عما حولي انتابتني الرغبة للذهاب الى مكان يشعرني بالراحة والسكينة ويخفف عني شدة التعب، خصوصا وان الجو يحمل نسمات صافية والالوان بدت حينها اكثر دفئا كأن كل شيء يغريني بالتجول في هذه الاحياء الرائعة، وبعد ان انطلقت بسيارتي الوحيدة مثلي والتي لم استبدلها بسيارة جديدة رغم ثرائي ونصيحة زملائي وتهكم اصدقائي وجدتني اتوقف قرب تلك الحانة الحالمة التي ارتدها كثيرا في ايام الزمن الجميل السابق وتفردت من دون بقية الاماكن بالايحاء لي بأن ما من شيء محرم او مقدس في هذا العالم.

بعد جلوسي في الركن الهاديء الذي اجلس فيه كل مرة بعد طول انقطاع ابهجتني اغاني وموسيقى الفرقة الفرنسية التي لم افهم من كلامهم شيء آنذاك لكن بالتأكيد انهم كانوا يتكلمون عن الحب والرغبة ، فقد زادت اغاني الحب في هذه الايام واختفى الحب نفسه ، ويبدو انه كان من الخير لي اني لا افهم الفرنسية فاطلقت العنان لمخيلتي لتتخيل ما تقوله الاغنية، فقد قدمت الى هنا لأنسى وأستشعر وليس كي افكر.

تقدمت مني النادلة مرحبة بي اذ عرفتني سابقا كأحد رواد المكان المنتظمين وابتسمت تلك الابتسامة التي تثير الرغبة في المضاجعة وزادها جمال فمها وبياض اسنانها روعة وسحرا فقالت :-

- ماذا تطلب سيدي؟

- في كل مرة آتي ههنا اطلب شيئا واحدا فهل نسيت بسرعة ؟

- عفوا سيدى لكن لأتأكد فقط حالا ساحضر لك ما تريد.

قبل ان تمضي مغادرة نظرت الى الرجل الجالس قربي الذي بدا كالشبح الهامد كأنها تحذرني منه ، كان شيخا ابيض الشعر كث اللحية لم اميز من ملامحه الى اي بلد ينتمي خصوصا وانه ابقى وجهه متدليا نحو الاسفل فظننت انه نائم بسبب الثمالة.

لكن بعد دقائق فاجئتني شخرته فظننت ان هذا الشيخ المخمور يلفظ أنفاسه الاخيرة ،رفعت راسه للاطمئنان عليه اجابني :-

- لا عليك اهتم بنفسك فقط فأنا لن اموت ليس الان على الاقل.

فما كان مني الا ان اخذت كأسي وشرعت اعبه عبا كان الشراب لذيذا ومنعشا فرغبت بتجربة كأس آخر وعندما ناديت تلك الحسناء ذات الثوب القصير والفاضح فأجئني الرجل مرة أخرى بأن قال لها هات كاسين واضيفي الطلب الى حسابي.

التفت اليه مستغربا وشاكرا ورافضا لكنه لم يعرني اهتماماّ بل استغرق في عالمه المتلاشي وحينما وصل الشراب حاولت ان اقدم له الشكر صراحة :-

- شكرا لك لكني خشيت انك تعرضت الى نوبة قلبية او ماشابه وأرى ان من الافضل لك ان تتوقف عن الشراب.

- لا تخش شيئا انني لم اتذوق الشراب منذ دهور لكن ابني مات صبيحة اليوم انا بحالة مزرية وبحاجة الى بعض منه لعله يشفي غليلي.

- آه عفوا ، مات ابنك البقاء في حياتك !!!! لكن ارجوا المعذرة توقف عن الانغماس في الشراب فلن يزيد الوضع الا سوءا و ..... لكنه قاطعني قائلا.

- كل بضعة عقود اخسر ابنا مثله بعد ان اظن انه سيحقق مرادي وانتقم منكم يا بني البشر.

وشرع يتمتم بكلمات لم افهمها بسبب ارتفاع صوت الموسيقى وكانت فرصة جيدة كي اتهرب منه ولولا ازدحام المكان لغيرت مقعدي على الفور.

كانت كلماته غريبة وغامضة ومظهره يثير الريبة وهو يشيح ينظر نحو الاسفل كأنه يريد ان يشيح بعينيه عن الناس .

- لن اموت ليس الان ، لم اتذوق الشراب منذ دهور ، كل بضعة عقود اخسر ابنا ، سانتقم منكم يا بني البشر ، اي احمق هو هذا الرجل وما كان علي الا ان احمل الكلام على عواهنه فلعله مخمور لا يعلم ما يقول ، عموما حاولت ان انشغل بما حولي من مباهج فاني حضرت الى هنا لكي اروح عن نفسي وليس للاستماع لهذه الترهات يكفيني المجانين والمعتوهين الذين التقي بهم في نهاري والان لدي معتوه آخر ينغص عليّ امسيتي، لكني بقيت متيقضا وانا احاول شرب كأسي كي اغادر بعدها وخلال ذلك لم يتوقف عن اصدار تلكم الاصوات المريعة والمزعجة، لكني قلت لنفسي انه مكاني المفضل ولن اتركه بسبب هذا الهرم الخرف.

- لقد جئت هنا كي اعاشر احداهن لعلها تحمل مني بأبن آخر ، قالها وهو ينظر الى احدى الغانيات قرب المقصف بعد ان وظع نظارته السوداء وقال:-

- احب ان اعاشرها فوق الاعشاب والحشائش ووسط الاشجار والادغال كم كانت ام ابني الاخير رائعة عندما عاشرتها على قارعة الطريق كم كانت جميلة وانا اشاهدها تحبل بابني.

- ارجوك سيدي توقف عن كلامك هذا اني هنا كي ارفه عن نفسي لو سمحت توقف عن الشراب والكلام معا اريد ان انصت الى الاغنية فقط اي رجل هذا الذي فقط ابنه صبيحة اليوم وهو يريد ان يثمل ويعاشر النساء.

فما كان منه الا ان نهض متثاقلا من مكانه واتجه صوب تلك الغانية الواقفة في الزاوية التي تتطلع الى كل من يمر لعله يصطحبها معه من دون جدوى بسبب قبحها ومساحيق الزينة التي اثخنت بشرتها لكن بعد بضعة كلمات خرجا معا بسرعة ، يبدوا انها لم تدقق كثيرا في مسألة المال اذ ان اي شيء افضل لها من ان تعود خالية الوفاض .

- آه لقد خرج اخيرا ،عزيزتي الحلوة املأي كأسي بشراب خفيف آخر لا اريد ان اثمل وانسى هذه الموسيقى الساحرة .

بعدها تابعت ليلتي وقررت العودة كي انام فغدا عطلتي وارغب بالنوم عميقا ، وعندما دخلت غرفتي المتهاوية التي تسرح فيها اغراضي وتمرح حاولت ان اصل بنفسي الى التلفاز كي اعرف اخبار العالم التي انقطعت عنها قبل ان انام فأنا احب النوم واترك التلفاز شغالا! آه يا تلفازي الحبيب وصديقي العزيز .

فجأة ظهرت مذيعة الجزيرة متشحة بالسواد بادية الحزن قائلة:-

- تم اليوم اعدام الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين قبل السادسة صباحا ......

WebCrawler Search