الأربعاء، 2 يناير 2008

شيــاطين وكلمــــات

عنما اقترب موعد كتابتي للمقالة الحالية جلست لأكتب وكلي امل ان اكتب مقالتي العصماء التي سيتحدث عنها الجميع في اليوم التالي، لكن ذهبت كل محاولاتي ادراج الرياح ، لم اجد ما اكتب عنه رغم ان الافكار كانت تطوف في مخيلتي قبلها كأنها اشباح هائمة تنتظر من يمسك بها !! لكن يبدوا اني لست صيادا ماهرا فما فائدة ان نكتب اذا لم يقرأ لنا احد وما فائدة ان نفكر اذا لم يعبأ بنا احد ؟ لا ادعي اني كاتب لا يشق له غبار بل اني اصنف نفسي ضمن مجموعة الجيل الجديد من الكتاب الذين يحملون افكارا ويريدون ان يخبروا العالم بشأنها لا غير، حاولت ان انتقي موضوعا يهم الجماهير فكرت ان اكتب عن هيفا وهبي او نانسي عجرم او عن اي جسد جميل ينسي الامة همومها او يدفعها الى الامام لكني لم افلح فأن الاجساد مخلوقة لكي تشاهد او تتخيل وليس ليكتب عنها ولا اعتقد ان كلماتي تستطيع قياس خصر او ردف اي منهما او تستطيع قياس الهزات النفسية او الفكرية التي تحدثها حركاتهما متمنيا لهما ولزميلاتهن التوفيق في خدمة الجيل الصاعد نحو آفاق معرفية جديدة !!!!!!! ، حاولت ان اكتب عن الفقر لكن الجميع راضون عن حالهم او تعودوا عليه رغم شكواهم المستمرة وخشيت ان اتهم بالفوضوية او المشاغبة أو اني احاول تقويض النظام الاجتماعي المسلّم به منذ فجر التاريخ، حاولت ان اكتب عن الغنى وثروات الاثرياء المتكدسة لكني وجدت اني بهذا قد ارتكب المحرمات بالحديث عن ارزاق الناس فليس من الادب ان اتدخل بمسائل ان تبد لكم تسؤكم والأجدر بنا ان نقول لمن يجمع المال ما استطاع اليه سبيلا (شاطر شاطر)، فلماذا نحسد الناس على ما في ايديهم السنا كلنا نطمح الى الثروة فلم كل هذا الحسد والزعيق المزيفين؟ فكرت بالكتابة عن الساسة وانا الآن في بيروت الجميلة و المضطربة لكني تذكرت الحكمة التي تقول "كن في الفتنة كأبن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب" فما من احد هنا يعرف ما يجري في الخفاء والعلن فالمسألة برمتها لا تعدوا كونها لعبة نعم لعبة لكنها تختلف من بلد الى آخر،حاولت ان اكتب عن الجمال والسلام والتقدم والصفاء والرخاء والعدالة والتحرر والازدهار وكل المصطلحات المعجمية الايجابية فلم اوفق ثم اتبعتها بفكرة ان اكتب عن العالم السفلي واللصوصية والبيروقراطية والجهل والمرض والفساد والفوضى وكل ما هو سلبي فلم افلح ايضا فلقد تساوت لدي حينها الكلمات في معانيها ونتائجها وآثارها.
لعل شيطان الكتابة قد هجرني او مل مني ووجد رفيقا مبدعا خلاقا يعرف ما يقول؟ او لعلي لا اجد الاثارة الكافية لأكون كاتبا مجنونا فاستسلمت او خضعت للأمر الواقع كجميع من اعرفهم وكنت قبلها اتهمهم بالاستسلام والخضوع ؟ توقفت عن الكتابة وناديت شيطاني الجميل الرائع لكنه لم يجبني ابدا صليت كي يعود شيطاني الملهم فمن دونه لن تكون لحياتي معنى،لكن في خضم حيرتي ارتسمت في مخيلتي صورة الشباب الذين تظاهروا ضد العولمة في سياتل وقد تقاطروا من جميع انحاء العالم الثري وانفقوا اموالا طائلة وتحملوا الضرب والنوم على الارصفة والترحيل القسري وتحلقوا امام مبنى مجموعة الثمانية الاغنى وهدفهم دعم الدول الفقيرة وتحسن اوضاع المعيشة في تلك الدول التي لا تمت لهم بصلة او تطالبهم بشيء ، تذكرت مشهد الفنانة الامريكية المثيرة جين فوندا وقد تركت مجدها في هوليوود وغامرت بحياتها لتذهب الى احراش الثوار الفيتناميين وقد اعتلت مدفع الثوار الفيتناميين المصوب نحو جيش وطنها فثارت ثائرة المجتمع الامريكي ضد الحرب – ولم يتهما احد بخيانة وطنها طبعا – تذكرت المجموعات البيضاء التي ساندت السود في جنوب افريقيا وتمردها على بني جلدتها من البيض العنصريين لأنهم آمنوا بقضية انسانية سامية تسمى محاربة التمييز العنصري وما اكثر التمييز الصامت الذي نعيشه من دون ان نجرؤ على تسميته حتى وكثير من الصور والاخبار الاخرى، حينها آمنت ان ليس بالكتابة وحدها يحيا الانسان وليس من الضروري ان تعرفني الخيل والليل والبيداء والانترنيت والصحف والفضائيات، فما اجمل ان يتوقف الانسان عن الكلام او الكتابة ليحقق ما يؤمن به على ارض الواقع ، تمنيت لو نستطيع فعل اي شيء يكسر حاجز السكون المطبق الممل ، تمنيت لو اننا خصصنا جزءا من وقتنا للانضمام الى جمعيات العمل الخيري او اننا ننفق ولو قسطا يسيرا من دخلنا كل قدر استطاعته او نعطي اي شيء بسيط يمكن ان يحدث فرقا، فمن قال ان الاعمال المدوية وحدها تغير الواقع ؟ لكن السؤال الاهم الذي اطرحه على نفسي هو هل اني قادر على ان احدث هذا الفرق من دون ان اتكلم او اكتب ؟ اتمنى ذلك ، لكن لا تنسوا دعائكم لي كي يعود شيطاني العزيز تقبل الله دعائنا ودعائكم آمين رب العالمين.
ازهر مهدي
Azhermahdi@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

WebCrawler Search