الجمعة، 25 يناير 2008

المجتمعات الالكترونية

كلنا نتذكر الايام الجميلة والبسيطة التي لم يمرعليها وقت طويل عندما كنا نعيش حياتنا اليومية بسهولة ويسر نستعمل الهاتف الثابت وجهاز الفاكس والتلكس باعتبارها احدث ما وصلت اليه التكنلوجيا المعاصرة آنذاك وكنا نستطيع مخالفة النظم والتقنيات لاننا ببساطة نستمتع بالتحايل على تلك التكنلوجيا المبهرة حينها لنشعر أننا اذكى منها ، لم تكن هنالك كاميرات المراقبة التي تنتهك خصوصيتنا بأسم الاشراف والسيطرة وان وجدت فانها تتعطل بسرعة وكنا متأكدين ان اكثر تلك الكاميرات هي مجرد حديد خردة ستتلف بعد مدة من الزمن لأن تكلفة اصلاحها عالية ، لم تكن هنالك اجهزة الرادار التي تراقب السيارات فكنا نفعل ما نريد بسياراتنا الشخصية ولم تكن هنالك اجهزة الدفع الالية فكنا نستمتع باخراج النقود من جيوبنا لنشتري ما نريد وكنا نعرف كم انفقنا وكم نريد ان ندخر للغد ولم تكن هناك اجهزة صنع الشاي والقهوة فكنا نستمتع بشرب الشاي والقهوة اللتان من ايادي امهاتنا او زوجاتنا واذا ما كبر المرء منا اما يتزوج من يحب او يطلب من امه او اخته لتختار له شريكة الحياة، وحتى المعدات والاجهزة والسيارات التي كنا نقتنيها كنا نعرف انها ستظل معنا لمدة طويلة فكنا نتوقف كثيرا لنتعرف على قيمتها النوعية والمادية لأنها ستصبح جزءا من حياتنا لمدة طويلة ، وشواهد كثيرة لا مجال لطرحها وسردها الان ،المهم حينها كنا نظن اننا في قمة التطور و كان لنا الوقت الكافي لنخلو الى انفسنا ونستكشف دواخلنا وكان لنا الوقت والحياة لنعيش مع احبتنا واصدقائنا وابناءنا كل ذلك لم يمر عليه سوى عقدان من الزمن او اقل فتغيرت الحياة من حولنا فجأة وكلنا نعرف كيف والى اين تغيرت تلك الحياة واهلها، فلن اثير الشوق الى الايام الجميلة والتي للاسف كنا لا نعرف قيمتها والان كلنا نتمنى ان يعود الى يوم من ايامها لكن ولات حين مناص.
عندما كنت في احدى الدول العربية لاحظت ظاهرة غربية عند دخولي الى محلات الانترنيت او عند تحدثي الى البعض من اهل تلك البلاد فقد كانوا مهوسيين بموقع التعارف الشهير ألا وهو موقع الفيس بوك فأنتابتني الرغبة لاستكشافه لكن لم يكن فيه الشيء الجديد بالنسبة لي ( وانا هنا لست بمعرض انتقاد الموقع ) لكن حجم الشباب والشابات المهتمين بالموقع والباحثين عن الصداقات والعلاقات جعلني اتساءل عن نوع العلاقات الانسانية حاليا او لما ستؤول اليه الروابط البشرية على الصعيدين العام والشخصي فما الذي يدفع بهؤلاء الشباب والشابات الى البحث عن صداقات مجهولة وهم اذا ما نظروا حولهم سيجدون الكثير من الفرص الطيبة للتعارف الجدي خصوصا ان محل الانترنيت كان يضم العشرات منهم ، كأنهم يبحثون عن صديق او رفيق مجهول او مثالي لن يأتيهم الا عبر اسلاك الكهرباء لكن المؤسف في الامر ان قضية التكنلوجيا تخطت السرعة والدقة والكفاءة ولم تعد التقنية تتعلق بأصدار العاب تسلية او عروض اعلانية او وسائل اتصال جديدة اذ بدأ الانسان يعرض خدماته وبضاعته او يطلبهما كما يعرض جسده ومشاعره او يطلب جسد او مشاعر من اشخاص غرباء في عملية تواصل ميتة وخالية من الاحاسيس ويمكنه بضغطة زر واحدة ان يلغي علاقة او يدخل في علاقة جديدة كأبسط ما يكون ومن دون احساس بالمسؤولية ، لقد اصبح الانسان مرتبطا بكرسيه وجهازه مركزا فقط على السيل الهائل من الصور والافكار والاغرب من ذلك ان الانسان المعاصر وخصوصا الانسان العربي اصبح اقل تعلقا بالافكار الانسانية السامية فظهرت المنظمات الاجرامية والارهابية التي تجند المتصفحين بأثمان بخسة للقيام بأعمال مدمرة وكلنا نعرف ما يجري من حولنا ، ناهيك عن الدعارة والاحتيال والخداع.
لقد كتب الكثير حول الاثر النفسي والاخلاقي والاجتماعي بشأن هذه الظاهرة وكيفية دفع الاثار المصاحبة لها لكن يبدو ان الانسان غير مهتم بكل تلك التحذيرات لكن المشكلة في منطقتنا العربية هي الاخطر، فأن الشباب من كلا الجنسين يلجأون الى الانترنيت للبحث عن التسلية وقتل الوقت فقط وهو ما يمثل في تقديري 80 % من حجم استخدام الانترنيت لدينا والقضية هنا لا تكمن فقط التلقي والتبادل والتواصل اذ لا بد ان نعترف ان للتكنلوجيا فوائدها العظيمة لكن الخطر يكمن في اننا لم نعد نعرف قيمة الوقت الا في تلك الحظات التي نهرب فيها من الملل ففي ظل وجود البطالة وانعدام الاهتمام المعرفي في المجالات الجمالية والادبية خصوصا ، وكذلك ضعف الروابط العائلية التي اصبحت شبحا يهدد الجيل الناشيء و التقليعات الفنية وحالة الاحباط العقيدي والثقافي لدى شبابنا المعاصر، انعزلنا في غرف او محاجر منكبين على شاشة لا تزيد مساحتها عن بضعة سانتيمترات متناسين الشاشة العظيمة الموجودة في الخارج الا وهي شاشة الحياة.
لم نعد نتمكن من العيش من دون ان نسمع رنة المحمول الذي ينغص لحظاتنا صباحا ومساءا ونسير في الشوارع ونحن نخاف بطش الصور التي قد تلتقطها الرادارات ولم نعد نستمتع بتلك الرغبة البدوية الكامنة فينا في الاسراع احيانا ( وهنا لا اشجع على السرعة لكني اتحدث عن الرغبة الكامنة فقط ) واصبحنا مكبلين بالبطاقات الأئتمانية التي تلتهمنا بأسم تسهيل التبادل النقدي واصبحنا نبحث عن شريكة حياتنا بواسطة الانترنيت متناسين السحر الذي كان يكمن في سرية العلاقة وبساطتها ونسينا حتى ان نشرب الشاي والقهوة عند عصر كل يوم وسط اهلنا في باحات دورنا العتيقة لكن الرائعة روعة الماضي التليد.
اني اعلم اننا لن نغير مسير حياتنا خصوصا في حالة التلقي والاستسلام لما تقذفنا به التقنيات الواردة من العالم المتحضر الذي تمكن من استيعاب التطور وهضمه وايجاد المخارج للتنفيس عن الاعباء النفسية للتطور المنشود حتى ان هذه الاسطر تعبر عن وصف لحالة اكثر من محاولتها لايجاد حل ما ، رغم اعتقادي المتواضع ان الحل يكمن في قدرتنا على هضم التقنية وكذلك الانتظار حتى نستوعب ما نمر به ، وهو اقصى ما نستيطع فعله لحد ألان .

ازهر مهدي

Azhermahdi@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

WebCrawler Search