السبت، 19 يناير 2008

ثورات الزهور وثورات القبور

"عندما التفت خلفي وجدته يقدم لي باقة من الزهور"
هذه العبارة التي قالها من يسمى الدكتاتور الجورجي السابق ادوارد شيفاردنادزة بحق غريمه المعارض ميخائيل سيكاشفيلي عندما فتح حرس البرلمان الابواب وليس الرصاص للمعارضين ليدخلوا الى قاعة البرلمان مطالبين بتنحي الدكتاتوررررررررررر عن منصبهه ليتنحى بعدها ادوارد شيفاردنادزه عن منصبه ويترك الحكم الى غريمه الشاب في نفس اليوم ، في ثورة من الزهور لبلاد لا تنتج شيئا سوى الفواكه والنبيذ وفعلا فالزهور كان لها عظيم الاثر في الجميع ،فلم ترق قطرة دم واحدة بعدما رفض الجيش خيانة شعبه ولم تعلق المشانق في الطرقات ولم يدخل الناس الى السجون والاطرف من ذلك ان الدكتاتور الجورجي لم يتفوه بالسباب والشتائم على معارضيه ولم يتوعدهم بالويل والثبور والتحالف مع اطراف اخرى ولم يهددهم بقطع اعناقهم وارزاقهم !!!!!!!!!!! بل تنحى بكل هدوء ولم ينس ان يذكر العبارة اعلاه بحق معارضه العنيد وفعلا ففي اليوم التالي واصل الجورجيون حياتهم البسيطة وخرج كل الى عمله بل واستمر الجميع بزراعة الزهور ولم ترهبهم روسيا بجبروتها وطغيانها الذي صدرته الى عالمنا العربي والاسلامي المسكين
في هذه الايام تشهد جورجيا انتخابات حاسمة لتقرير مستقبل الدولة الصغيرة والستراتيجية في آن معا ، في ظل اجواء ديمقراطية صاخبة لدولة حديثة العهد بالديمقراطية لكنهم حتى في طفولتهم السياسية اظهروا نضوجا ووعيا يجب ان نحسدهم عليه فلم تعلن الاحكام العرفية ولم يحصل الرئيس الحالي والمعارض السابق على نسبة الالف بالمائة ولم يخرج النقاش عن حدود الادب ولم تشهد البلاد اعمال شغب لحد الان بانتظار النتائج النهائية ، اما نحن الذين نتشدق بالتاريخ والاخلاق والتقاليد والاعراف كنا ولا زلنا امم مجردة من اي حس انساني او ادبي او سياسي ، نخرج من استعمار خارجي لندخل الى استعمار داخلي اكثر وحشية وظلما وفي كل يوم نترحم على اليوم الذي مضى وفي كل حقبة يقفز ابناء الشوارع والمواخير على ظهور الشعوب ليتولوا السلطة باسم الشعب وباسم الله وباسم الحق وباسم الشرف وباسم المصالح الوطنية وباسم كل ما هو مقدس وهم مجردون من اية قيمة او مبدأ اخلاقي.
ولن اكرر الكلام المعروف عن الجرائم التي ارتكبها اولئك او هؤلاء لكن أكبر ما يؤلمني هو ذلك الصمت وذلك الهوان الذي بلغناه على يد من كانوا ابطالا وقادة يوما ما فحولونا الى مسوخ بصورة بشر والافضع هو توانينا واقتناعنا بأنهم قدرنا المحتوم واننا لن نعدم من يقول ان هؤلاء القادة هم افضل من غيرهم لأنهم الوحيدون الذين يعرفون كيف يسوسون البلاد والعباد ، واني ههنا اود ان اسأل الى ماذا اوصلتنا سياساتهم وحنكتهم فأذا تجاوزنا المغرب الذي يصدر فتيات الدعارة الى العالم او استثنينا حروب الابادة المحلية والعربية التي تجري بحق العراقيين وتغاضينا عن التطهير العرقي في السودان او تكتمنا على القمع المستشري في كل الدول العربية فاننا قد نجد انفسنا مذهولين امام تقرير يتحدث عن مصر كنانة العرب التي خلقت النموذج الامثل للدكتاتورية في عالمنا العربي السيء الصيت على يد البطل المفدى جمال عبد الناصر !!!!!!! اذ يتحدث التقرير الذي اعدته الحكومة المصرية بنفسها عن اطفال الشوارع والذي قدر التقرير ان عددهم يتراوح بين 200 الف الى مليون طفل مشرد ربعهم دون سن الثالثة عشرة رغم ان المطلعين على الملف يشيرون الى ان العدد اكبر من ذلك بكثير ووفقا للتقرير يمثل الذكور 92% منهم والباقي 8% هم من الاناث وان نسبة 45% منهن تعرضن للاغتصاب وخمسون بالمائة منهن يمارسن الدعارة ، هذا اذا كانت عمليات الاغتصاب تتم بحق الفتيات فقط او اقتصرت المعاناة على الدعارة فقط التقرير لكن ليس كل الاطفال الغير مشردين في كنانة العرب هم من المحظوظين ففي تقرير آخر يتحدث عن احصائيات غير رسمية لعمالة الاطفال في مصر يقدر ان هنالك مليوني طفل مصري تقل اعمارهم عن عشر سنوات يعملون في مختلف انواع الحرف الشاقة والصعبة من دون حقوق او امتيازات او حتى رعاية بسيطة ، هذه هي احصائيات بسيطة لم تتضمن بقية الانتهاكات بحق الأطفال الآخرين وبالطبع فأن التقارير الأخرى عن انتهاك حقوق الكبار والبالغين هي اكثر واوسع وربما مما يخفف من قبحها في نظر البعض ان الكبير يمكن ان يتحمل ما يتعرض له لكن اثبتت التجارب التاريخية ان الظلم لا يستثني فئة دون اخرى فالكبار والصغار في عالمنا العربي هم الضحية وبالتأكيد أنهم اصبحوا او سيصبحون ادوات الجلاد في يوم ما فقد عاشوا وتقبلوا وتفهموا الظلم فلم لا ينقلونه الى غيرهم ولم لا يتعرض غيرهم الى ما تعرضوا له ؟.
ومن العجيب ( والعجيب لدينا يضحكنا ويبكينا ) ان الغيرة العربية لم تثر احدا وانا هنا لا اتحدث عن مصر فقط فلم يصدر شيخ الازهر المهتم بتحريم طباعة الكتب والدعاء للرئيس بطول العمر وهو المنشغل بتنفيذ ما يصدره له المسؤولين من تعليمات اقول لم يصدر تعليماته السامية برعاية هؤلاء الاطفال او اثارة قضيتهم واذا كان منشغلا بمهامه الادارية لم يجد احد من طاقمه الكبير الوقت الكافي لتوعية الشعب عن ما يحق بهم من اخطار الجهل والفقر والتعصب والمرض والتشرد فقد تمخض العقل الجبار لهؤلاء بأصدار فتاوى غريبة وعجيبة لا تسمن ولا تروي.
والمثقفين المصريين وحالهم حال بقية المثقفين العرب لا يعرفون منالثقافة سوى اثارة الكراهية والتحريض على الاخر ولا يجيدون الا فن الصراخ وشتيمة الغرب او الهروب الى دولة اخرى تمنحهم حق الاقامة والعمل والتهريج من هناك حتى ضد المجتمعات التي يقيمون فيها وقائمة الصامتين طويلة جدا.
في كل مرة يزداد يقيني وايماني بأن المفهوم الغربي حول الانسان والانسانية وحول الفرد والمجتمع هو المفهوم الذي يجب ان يسود واننا يجب ان نستورد كل ما تنتجه تلك الحضارة العظيمة من ابداعات وافكار انسانية خلاقة لاننا وببساطة لا نعرف سوى قطع الاعناق والارزاق والباقي في الباي باي

ليست هناك تعليقات:

WebCrawler Search